قامت جمعية الثقافة والفنون قبل أيام بتكريم مجموعة كبيرة من ممثلي "الأبيض والأسود" وقبل ذلك تم كريم هؤلاء الممثلين في عدد من المؤسسات الحكومية والأهلية، وكأنه لا يوجد لدينا إلا الممثل فقط من يستحق التكريم، بينما المغني والمطرب والموسيقي عموماً لا أحد يتبناه ولا جهة تُكرّمه وتعترف به. لم يكن المطرب السعودي ذا حظ جيد داخل مجتمعه السعودي ومؤسساته، يبرهن على ذلك ما يعانيه روّاد الطرب من تهميش طويل الأمد من قبل المؤسسات الحكومية أو الخاصة، رغم أنهم كانوا الأكثر جماهيرية ونجاحاً وتأثيراً. جمعية الثقافة والفنون طوال تأسيسها لم تقم أي احتفائية لتكريم نجوم الغناء القدامى، وحتى في السنين الماضية التي كانت تعتمد الجمعية على الفنانين إبان تأسيسها على يد الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن والموسيقي طارق عبدالحكيم، وحتى عندما كانت تضخ في الساحة عدداً من الفنانين والعازفين والمطربين من خلال المعهد الخاص بها والذي أقفل نهاية الثمانينات الميلادية، حتى في تلك الفترات الذهبية لم يكن هناك عناية كافية بالمطربين. لكن ما يجري الآن أسوأ بكثير، فالمؤسسات العامة والخاصة لم يعد لديها إلا تكريم الممثلين فقط، وأصبحت تتسابق على تكريمهم بمناسبة ودون مناسبة، وربما المتابع العادي يعي الفوارق بين مجهود الفن الدرامي والمجهود الغنائي والبروز الإعلامي بينهما، وبالتالي سيلوح في خاطره تساؤل عن تجاهل هذه المؤسسات لتكريم نجوم الأغنية بمختلف تخصصاتها، أولئك الذين بذلوا جهدهم وأفنوا عمرهم من أجل أن يصنعوا لنا إرثاً موسيقياً وأغاني عظيمة نشدو بها عندما نفرح ونبكي وفي كل حالاتنا الشعورية. لقد ساهم هؤلاء في تغذية ذاكرتنا الجمالية كما حلقوا باسم المملكة في مختلف الميادين الفنية في الخليج والعالم العربي. ما يحز في نفس نجوم الأغنية السعودية السابقين أن يكون تجاهلهم فادحاً بهذا الشكل، وكأن المؤسسات الثقافية تخجل حتى من ذكرهم، كأنهم عارٌ يجب أن يُخفى عن الأعين. أين هذه الجهات من تكريم سالم الحويل وعبدالله السلوم وعبدالقادر حلواني وحمدي سعد وهم الذين مازالوا أحياء بيننا وبلغوا من العمر عتياً وينتظرون أي بادرة تكريم تقول لهم إن كل ما صنعتوه من إبداع هو محل تقدير الوطن وأبناء الوطن. يقول سعد إبراهيم "رحمه الله" في آخر حوار له مع "الرياض": "طوال مسيرتي الفنية ومجهودي في تأسيس جمعية الثقافة والفنون، إلا أن التكريم لم يأتني إلا من مملكة البحرين"، في إشارة أن كل ما عمله لم يجد تقديراً من جهات يفترض بها أن ترعى الفنون وتحتفي بمبدعيها المؤسسين. في عام 2004 تم تكريم رواد الأغنية الشعبية في قطر، حمد الطيار وسلامة العبدالله -قبل وفاتهما رحمهما الله- وسعد جمعة وغيرهم، إضافة إلى تكريم "فنان العرب" محمد عبده في قطر والكويت، وطلال مداح في قطر وفرنسا، ونحن في سبات متجاهلين ما قدموه ونحتفي كثيراً بالممثلين وكأن في ذلك رسالة بأن الغناء والطرب والموسيقى غير معترف بها في وطننا.