لا تخلو حياة الأزواج أحيانا من المشاكل والمنغصات الزوجية التي تعتريها بين فترة وأخرى، وكثيرا ما سمعتُ ورأيتٌ أنا شخصيا أنواعاً، من الشد والجذب والنكد الزوجي، الذي يتسبب فيهِ أحد الزوجين أو كلامهما بسبب افتقارها لأساليب التحاور البناءة والطرق الإيجابية في التفاهم، ما يحول حياتهما الزوجية إلى جحيم لا يطاق، خاصة إن كانت الزوجة هي سبب النكد ولها أسبابها أيضا، في ذلك، وهذا ما أكدهُ أطباء النفس حيث يقول الدكتور عادل صادق بهذا الصدد: يشكو الرجل من أن زوجته نكدية، وأن بيته قطعة من الجحيم، يعود إلى بيته فتداهمه الكآبة، إذ يطالعه وجه زوجته الغاضبة الحاد النافر المتجاهم الصامت، بيت خال من الضحك والسرور ويغيب عنه التفاؤل مثلما تغيب الشمس عن بيته فتلتهمه الأمراض. يقول في بيتي مرض اسمه النكد، ويرجع السبب كله إلى زوجته ويدعي أنه لا يفهم لماذا هي نكدية لماذا تختفي الابتسامة من وجهها معظم الوقت ويحل محلها الغضب والوعيد؟ ولماذا هي لا تتكلم ؟ لماذا لا ترد؟ والحقيقة أن هذا الزوج لا يعرف أن زوجته بصمتها الغاضب إنما هي تدعوه للكلام. إنها تصدر إليه رسالة حقيقية إنها رسالة سلبية، ولكن هذه طريقتها لأنهما لم يتعودا معاً - الزوج والزوجة - على طريقة أكثر إيجابية في التفاهم. ويقلق الزوج، يكتئب هو أيضاً، ثم يغلي في داخله، ثم ينفجر، وتشتعل النيران وبذلك تكون الزوجة قد نجحت، فقد استفزته إلى حد الخروج عن توازنه، لإنها ضغطت على أهم شيء يوجع رجولته وهو التجاهل، أي عدم الاعتراف بوجوده، ولكن هذه ليست حقيقة مشاعرها فهي تغلي أيضاً لأنها غاضبة، غاضبة من شيء ما، ولكنها لا تستطيع أن تتكلم فهذا هو طبعها وربما يمنعها كبرياؤها فهذا الزوج يخطئ في حقها وهو لا يدري أنه يخطئ وأن أخطاءه ربما تكون غير إنسانية، ربما يتجاهلها عاطفياً، ربما بخله يزداد، ربما بقاؤه خارج البيت يزداد من دون داع حقيقي، ربما أصبح سلوكه مريباً، ربما وربما وربما وهناك عشرات الاحتمالات، ولكنه هو لا يدري أو هو غافل، أو يعرف ويتجاهل، وهو لا يدري أنها تتألم، أي أنه فقد حساسيته. .. وإذا بادل الزوج زوجته صمتاً بصمت وتجاهلاً بتجاهل فإن ذلك يزيد من حدة غضبها وربما تصل لمرحلة الثورة والانفجار. قد يستمر هذا الأسلوب في التعامل والتفاعل سنوات وسنوات وهذا يؤدي إلى تآكل الأحاسيس الطيبة ويقلل من رصيد الذكريات الزوجية الحلوة ويزيد من الرصيد السلبي المر، ويصبح البيت فعلاً قطعة من جحيم فتنطوي الزوجة على نفسها ويهرب الزوج من البيت، وتتسع الهوة.. وتشخيصاً للموقف نستطيع أن نقول: أننا أمام زوج لا يعرف ما يضير ويضايق ويؤلم زوجته، وهذا الزوج يتمادى في غيه مع الوقت، وهو أيضاً قد فقد حساسيته تجاه زوجته. وأننا أمام زوجة تكتم انفعالاتها وتخزن أشجانها، وتحترق بالغضب، وهذه الزوجة تلجأ إلى أسلوب سلبي في الرد على زوجها وذلك بإشاعة جو النكد في البيت لتحرم زوجها من نعمة الهدوء والاستقرار والسلام ونعمة الإحساس بذاته. وهذا معناه أننا أمام مشكلة زوجية تحتاج إلى رعاية.. فكلاهما يعاني، وكلاهما غاضب، وكلاهما خائف، وكل منهما يتهم الآخر ويحمله النصيب الأكبر من المسؤولية ويرى نفسه ضحية، أي لا يوجد استبصار ولا يوجد بصيرة. الخطأ الأكبر الذي يقع فيه الزوجان أن يجعلا المشاكل تتراكم من دون مواجهة، من دون توضيح من دون حوار من دون أن يواجه كل منهما الآخر بأخطائه أولاً بأول، من دون أن يعبر كل منهما عن قلقه ومخاوفه وتوقعاته وآلامه وهمومه.. قد يكون تجاهل الزوج لمتاعب الزوجة ليس عن قصد أو سوء نية أو خبث، ولكن، لا يعلم لأنها لم تتحدث إليه لأنها لم تعبر بشكل مباشر.. ربما تود أن يكون هو حساساً بالدرجة الكافية ربما تتمنى هي أن يترفع هو عن أفعال وسلوكيات تضايقها وتحرجها، وهذا جميل وحقيقي، ولكن الأمر يحتاج أيضاً إلى تنبيه رقيق - إشارة مهذبة - تلميح راق كلمات تشع ذوقاً وحياء من دون مباشرة. ولا مانع خاصة في الأمور الهامة والحساسة والدقيقة من المواجهة المباشرة والحوار الموضوعي، فهذا حق كل منهما على الآخر، وهذا وهذا هو أصل المعنى في المودة والرحمة.. أخيرا أدعو الله من أعماقي أن يدوم السكن والسكينة والحب على كل البيوت وأن تغرد فوقها أسراب طيور الحب بأعذب الألحان.