دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى تطوير حالة التعاون القائمة بين دول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 1981م، إلى حالة اتحاد بين أعضاء المنظومة الست جاءت على خلفية من التحديات التي حدد معالمها الملك عبد الله في كلمته أمام قادة دول الخليج في الجلسة الافتتاحية للقمة الثانية والثلاثين التي عقدت في الرياض مؤخراً. وأكد على أن هذه التحديات تمثل مبررات ومسببات قوية للدعوة إلى السير نحو كيان اتحادي بعد نجاح الاطار التعاوني خلال العقود الزمنية الثلاثة المنقضية، ومن هذه التحديات التي حددها الملك عبد الله بن عبد العزيز: أولا: إن دول مجلس التعاون الخليجي تواجه مخاطر كبيرة نتيجة للتطورات التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط والعالم العربي منذ بداية العام ما أوجد حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني في معظم دول المنطقة. ثانيا: تقع على عاتق دول مجلس التعاون الخليجي مسؤوليات كبيرة للمساهمة في استقرار المنطقة، ولا يمكنها التخلي عن هذه المسؤوليات. ثالثا: إن منطقة الخليج نفسها امست هدفا للمحاولات المتكررة التي تستهدف أمنها الداخلي واستقرارها بشكل مباشر. رابعا: ضمانات القوى الخارجية لم تعد موضع ثقة أو أن هذه القوى فقدت قدراتها على التأثير الفعال، أو انها انحازت لمصالحها الذاتية التي تتعارض مع مصالح الدول الخليجية. ومن خلال الوضع السائد في العالم العربي اليوم فان دول مجلس التعاون يتطلب منها القيام بدور قيادي لضمان التحول السلمي في المنطقة، والمحافظة على الحد الادنى من الاستقرار السياسي والتطور الاقتصادي. وخلال العقود الثلاثة الماضية من عمر مجلس التعاون، كان الانجاز الواضح يتركز على نجاح دول المنظومة الخليجية بتطوير حالة من التعاون والتكامل الاقتصادي ما أمسى احد معالم النجاح والديمومة التي حافظت على الكيان الخليجي وعززت الايمان بجدواه العملية، ولكن، وبمعزل عن الانجاز الاقتصادي، فإن ما حدث في مسيرة المجلس هو اهمال التكامل العسكري والأمني ضمن دول المنظومة. وهنا تكمن أهمية دعوة خادم الحرمين الشريفين في زمن تواجه فيه دول المنظومة الاخطار والتهديدات الداخلية والخارجية وعمليات الاستهداف المخطط لأمنها واستقرارها. وقد جاءت تجربة تهديد أمن واستقرار مملكة البحرين كناقوس خطر لينبه القيادات الخليجية إلى القصور الكبير في تطوير التكامل الأمني والعسكري بين دول المنظومة. ويمكن القول ان المساعدات العسكرية والأمنية التي قدمتها دول المجلس إلى مملكة البحرين كانت عاملا حاسما وحائط صد لمنع محاولات التدخل الخارجي من تحقيق اهدافها. و في الوقت نفسه يمكن الجزم أن المساعدات الامنية والعسكرية الخليجية لمملكة البحرين لم تتم ضمن اطار جاهز وقائم للتعامل السريع والفعال مع هذه التهديدات. فدول المنطقة مجتمعة تواجه مخاطر متعددة الاشكال والمصادر، فهناك تهديدات الجماعات الارهابية التي لازالت قائمة، والتي امسى لها ابعاداً دولية تتجاوز الحدود الاقليمية لهذه الدول. وهناك حالة عدم الاستقرار في دول الجوار الاقليمي التي يُخشى أن تنعكس على الاوضاع الداخلية لدول المجلس، وهناك التهديدات الاستراتيجية بدخول المنطقة في مرحلة التسلح النووي، وأيضا تأثير التدخلات الخارجية السافرة في الشؤون الداخلية لدول المجلس، ومحاولات توظيف الورقة الطائفية التي تهدد وحدة وتماسك المجتمع والدولة، وهناك التهديدات لمصادر الطاقة ووسائل تسويقها متمثلة بتهديدات اطلقتها دولة اقليمية حول النوايا بإغلاق مضيق هرمز والتدخل في حرية الملاحة الدولية او في تهديدات الجماعات الارهابية بتدمير المنشآت النفطية، بجانب تهديدات مجموعات القرصنة الدولية لسلامة الملاحة البحرية في المنطقة، هذه وغيرها من صيغ التهديدات الامنية والعسكرية التي تشكل عاملا أساسياً يساهم في زعزعة الاستقرار الاقليمي. ما يود خادم الحرمين الشريفين أن يقوله من خلال مقترحه الهادف إلى التحول من التعاون إلى الاتحاد، ان التكامل الاقتصادي بمفرده لن يكفي في ضمان الامن والاستقرار ضمن دول المنظومة الخليجية، وان لا ازدهار اقتصادي بدون استقرار أمني وسياسي. فليس من الحكمة التقليل من انجازات مجلس التعاون خلال العقود الثلاثة الماضية. ولكن اهمال جانب التكامل الأمني والعسكري يعد قضية خطيرة قد لا ندرك عقباها إلا بعد فوات الأوان. فالتعاون الاقتصادي بين دول المجلس كان له مردود في ارتفاع حركة التجارة البينية بين دول المجلس الست مما ضاعف الارباح المادية ووسع دائرة المستفيدين في القطاع العام والخاص ما منحه ديناميكية ومرونة. لكن عندما تأتي قضية التعاون الأمني والعسكري فان تشبث دول المجلس بعنصر حماية السيادة شكل العائق الأساسي في عدم تحقيق تطوير جذري في هذا المجال. إذن المطلوب من دول المجلس ليس إيجاد معجزة لتحقيق اطار التكامل الأمني والعسكري، فمثال التكامل ضمن منظومة دول حلف شمال الاطلسي (ناتو) أمر واضح ومثال جلي على إمكانية تطوير هيكلية فعالة لحماية الامن الجماعي لدول المنظومة دون التأثير الكبير على عنصر السيادة. وهذا ما لم يتم ادراكه بشكل صحيح حتى اليوم في حسابات دول مجلس التعاون. فالتشبث بعنصر السيادة امر طبيعي في العلاقات الدولية ولكن التشبث بهذا العنصر على حساب فقدان الأمن والاستقرار الجماعي امر يتطلب إعادة النظر. الدعوة للوحدة بدلا من التعاون تتطلب تخلي جميع الاطراف الخليجية، جزئيا او كليا، عن عنصر السيادة. ورغم ان الرغبة في التخلي عن عنصر السيادة أمر قابل للجدال الطويل ضمن دول المجلس، وقد تتخذ بعض الدول موقف الرفض لهذا المبدأ رغم الترحيب العلني بمضمونه، فان حقيقة الامر تقول إن المرحلة القادمة لا تتطلب التخلي الكلي أو الفوري عن عنصر السيادة، بل تتطلب الايمان بوجوب تحقيق عنصر التكامل الأمني والعسكري، والتخلي عن عنصر السيادة بقدر ما يستوجب لتحقيق هذا التكامل الذي امسى ضرورة ملحة . وهذه الخطوة ونجاحها في توفير الامن والاستقرار الجماعي لدول المنظومة الخليجية قد تكون الباب الواسع لتطوير مسيرة العملية الوحدوية على المدى البعيد والتي دعا لها خادم الحرمين الشريفين. *رئيس مركز الخليج للأبحاث