كي نعرف المشكلة دعنا نتحدث بلغة الأرقام لأنها لا تكذب ، ولا تبالغ ، وتحيّد كل ما يؤثر في الحديث ، وتجنح للحقيقة والواقع كما هو . والواقع المؤلم في ظل 2000 ريال حافزاً للسعودي العاطل ، أن العمالة الأجنبية تحول للخارج عبر ( البنوك )أكثر من 90 مليار ريال وفق تقديرات متوقعة العام الماضي ، وعندما أقول عبر البنوك فإني أقصد أكثر من ضعفها في دهاليز البطحاء الضيقة ومثيلاتها في جدة والدمام وأبها وحتى الهجر والقرى النائية بالطرق الملتوية ومكالمات الرموز وتحاويل المال المشبوه والحرام من وجوهه المتعددة . المشكلة كما يراها المصرفيون أن المملكة تتمتع ببيئة مصرفية ومالية واقتصادية حرة مما يصعب علينا أن نشكك في تلك الحوالات المالية الكبيرة خارج المملكة، والمشكلة الأخرى هي أننا لم نعِ أبعاد المشكلة أمنا واقتصادا وأخلاقا ، ولهذا تبدو جهود الجهات المعنية أقل بكثير من حجم الكارثة للتأكد من حركة الأموال المحولة للخارج. والأكيد الملح أنه لا بد من تشديد الرقابة البنكية والأمنية والاستخباراتية على الأموال التي تقوم العمالة بتحويلها للخارج عن طريق مراقبة الدفة الإلكتروني وسواها من المختبئ تحتها وخلفها وفي تجاويفها ، ومقارنة المبالغ المحولة مع عقود الرواتب الشهرية لكشف مصادر قد تكون غير مشروعة للمبالغ المحولة. ومن شأن عمل كهذا ومع وجود برنامج رقابي محكم متعدد الأذرع سنحصل على هدف تنموي آخر وهو كشف العمالة غير النظامية التي تشارك المواطن في مصادر رزقه في وطنه وربما في أعمال غير مصرح لها العمل بها . وتشير العديد من الإحصاءات وكثير من الرصد العلمي والصحفي كما ورد في هذه الجريدة أن نحو 30% من العمالة غير السعودية تعمل لحسابها الخاص مقابل مبالغ مقطوعة للسعوديين من ضعاف النفوس، ويتركز هذا النشاط بشكل أساسي في البقالات الصغيرة والمدارس الأجنبية وورش صيانة التكييف وغيرها من ورش تصنيع الألمنيوم على سبيل المثال ، إذ يكتفي صاحب المؤسسة أو المدرسة بمبلغ مقطوع سنوياً ويبرر لجوءه إلى ذلك لكثرة المشاكل التي يتعرض لها إذا باشر الإشراف على العمل . وهنا تتحتم أهمية الرقابة من قبل مكاتب العمل ووزارة التجارة والصناعة والغرف التجارية وكذلك الجهات الأمنية والتأكد من المخول بالتوقيع حتى في البنوك . أحد أعضاء لجنة الأوراق المالية بالغرفة التجارية الصناعية بجدة يرى أن مواجهة قضية الأموال المهاجرة للخارج تحتاج لعدة برامج رقابية محكمة من قبل مؤسسة النقد والبنوك وشركات التحويل التي لا زالت خبرات بعضها متواضعة ،لأن مفاهيم الرقابة البنكية لا تقتصر على كمية الأموال التي يتم تحويلها بقدر معرفة النشاط الحقيقي للشركات الحقيقية منها والوهمية التي تدار من قبل أشخاص غير سعوديين وتقوم بتحويل مبالغ طائلة للخارج دون وجود حركة دوران لرؤوس الأموال تبرر وجود أرباح حقيقية نظيفة فكيف إن كانت عكس ذلك وبأرقام فلكية .