في مقالتي الأسبوع الماضي ناقشت الصورة الذهنية لمسؤولي الحكومة، واليوم أطرح عليكم الصورة الذهنية لمؤسسات الحكومة في الإعلام. ولتقريب الموضوع دعونا نتصور أن وزارات الدولة هي مؤسسات خاصة. فلو أن أية مؤسسة خاصة تعرضت للنقد اللاذع الذي تتعرض له وزارات ومؤسسات الدولة فإن أول عمل ستقوم به هو تدشين حملة إعلامية مضادة لتحسين الصورة الذهنية، وستوظف لذلك أضخم شركات الإعلان والعلاقات العامة وستشتري الكتاب والصفحات الإعلانية ومساحات البث على القنوات الفضائية المشهورة من أجل تحسين سمعتها وذلك حتى لا تفقد السوق والعملاء لصالح المنافسين. شركة سيارات كبرى على سبيل المثال أنفقت على بعض مبادراتها لتعزيز سمعتها في الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال العام المنصرم ملياراً و870 مليون دولار، وكذلك تفعل بقية الشركات المماثلة، بل إن إحدى شركات الزيت العالمية تجبر كبريات الصحف العالمية على إطلاعها على الأخبار والمقالات ذات العلاقة بالزيت قبل نشرها. تكرار السمعة السيئة وترسيخها في عقول ووجدان المتلقين حول أية مؤسسة سواء حكومية أو خاصة ربحية أو غير هادفة إلى الربح يصنع صورة سلبية تتراكم مع الزمن لتصبح قرينة تستدعى كلما استدعي اسم المؤسسة من الذاكرة. قبل عدة سنوات كانت المقالات السلبية عن مؤسسات الحكومة هي القلة وعلى استحياء، واليوم أصبحت المقالات الإيجابية عن مؤسسات الدولة هي القلة وعلى استحياء؛ إذ يخشى الكُتاب فقدان الشعبية إذا تعرضوا إيجابا لمؤسسات الدولة مما حدا بأحد مقدمي البرامج التلفزيونية أن يذكّر ضيفه بأنه في "صف" الحكومة وقد يفقد شعبيته. إذا كان تراكم السمعة السلبية عن مؤسسات تجارية يؤدي إلى تهاوي أركانها لصالح المنافسين فإن تكرار النشر السلبي عن أجهزة الدولة يفاقم صورتها السلبية عند المتلقين ولكن لمصلحة من؟ أعذر بعض الكُتاب والصحافيين المبتدئين في عالم الإعلام الذين يبحثون عن الإثارة ويعتقدون أن عدد التعليقات التي تصفق لهم هي مقياس النجاح والمهنية، كما أتفهم الذين لديهم مشاكلهم الشخصية مع بعض المصالح الحكومية وإن كنت لا أقر ممارستهم في تصفية الحسابات بهذه الطريقة، ولكني لا أجد عذرا ولا أتفهم كبار كتابنا الذين يميلون لكسب المتلقي من خلال الإثارة وتعميم الصور السلبية على حساب الحقيقة والمصالح العليا للوطن. الكاتب والصحفي مسؤول، وقد يكون فاسداً؛ ليس هناك فرق بين فساد مسؤول حكومي ومسؤول في القطاع الخاص، ولا بين فساد مسؤول استخدم سلطته لتحقيق منافع خاصة وبين صحفي أو كاتب استخدم مساحته لتحقيق مكاسب شعبوية شخصية على حساب المهنية والموضوعية والرأي والرأي الآخر. هذا المسؤول فاسد وذلك الإعلامي فاسد أيضا، وبالتالي يغرق المجتمع بين فئتين هي الأقلية ولكنها تثخن في سمعة الوطن وتفرط في مصالحه. تعبر بلادنا مرحلة خطرة من تاريخها وسط إعلام يمر بمرحلة عدم توازن صنعتها مستجدات في الوسيلة، ودخول سريع جدا للمتلقي لصنع الرسالة أو إعادة توجيهها. في هذه المرحلة الخطرة لا يجب أن يترك مصير سمعة مؤسسات الحكومة ريثما تنضج الممارسة الإعلامية، وإنما العمل على ترسيخ ما تحقق للإعلام من حرية، وفي الوقت نفسه نشر ثقافة المهنة الإعلامية ووضع ضوابطها وأخلاقياتها، وشروط ممارستها، وحمايتها من أجل تأكيد الحرية الإعلامية النسبية التي تحققت وكسب مساحة أوسع من خلال إعلام مهني ومسؤول. أما مؤسسات الحكومة فإنها بحاجة إلى التخلي عن منظورها التقليدي للإعلام، وعليها أن تتعلم وبسرعة تقنيات إدارة أزمتها معه، فهي حقا تعيش أزمة تستهدف سمعتها وتشوش على مكانتها وتزعزع ثقة المتلقين فيها، وذلك في مجمله ينعكس على الدولة نفسها لأنه لا يمكن الفصل بين مؤسسات الحكومة والدولة في مفهومنا الإداري.