من الصعب أن تهمل مقالا بقلم كاتب بريطاني. شيء ما بين السطور ينتظرك. إذا كنت أكتب في بعض الأحيان مقالات ساخرة فقد تعلمتها من الصحف البريطانية. لا يوجد ما يشتكي منه البريطانيون كي نفسر به ميلهم للسخرية. البريطانيون أكثر الشعوب استقرارا وحرية وفي طليعة العالم. رغم أن الشمس لم تعد تشرق عليهم طوال اليوم إلا أن دفء هذه الشمس مازال يتسلل من أنحاء العالم ليحتضن تلك الجزيرة الصغيرة المتغطرسة على أوروبا. يسعدني أن يختار سفراء بريطانيا الكتابة في جريدتنا هذه. فمقالاتهم رغم تحفظها الرسمي لا تترك نكهة الكتابة البريطانية المعتادة. الرصانة المشوبة بالمرح. يفصحون فيها عن تطور العلاقة بين المملكتين ويكشفون لنا الجوانب المضيئة فيها. كان آخرها المقالة التي زف فيها السفير السير توم فيلبس خبر التعاون الصحي بين المملكتين. صاغه بطريقة دبلوماسية عالية. جعل العقد تبادل الخبرات. جاء في صورة دولتين متكافئتين في المعرفة. كنت اتمنى هذا ولكن إذا عرفنا كيف نستفيد من الخبرة البريطانية سيأتي اليوم الذي نعطيهم من المعرفة بقدر ما نأخذ. مع الأسف اطلنا الانتظار. دول أقل من المملكة حماسة وقدرة حققت الاكتفاء الذاتي في الكودار الفنية الصحية منذ زمن بعيد. هذا محل سؤال كبير ولكن يجب ألا نتوقف عنده. الاتجاه هذه الأيام نحو تصحيح أخطاء الماضي. العقد مع بريطانيا - كما أشار السفير - كبير ومتنوع. وهناك عقود أخرى كثيرة مع دول أخرى متقدمة. لا يكفي تأمين الجنود والضباط لبناء جيش قوي. لابد من توفر البنية الإدارية التي تستطيع أن تدير العملية. بريطانيا من دول الرفاهية التي تؤمن أن كل من يعيش على أرضها يستحق العناية الأساسية مجانا. نفس الفلسفة التي نؤمن بها في بلادنا. الفرق بيننا وبينهم في تنفيذ هذه الفلسفة على الأرض. نحن مع الأسف نفتقر إلى الإدارة لتحديد الأولويات. تمتلئ بلادنا بالمستشفيات الراقية والأجهزة الحديثة المعقدة ولكنها تفتقر إلى العناية الأولية. لا نعرف شيئا اسمه طبيب الأسرة على سبيل المثال. كل أطبائنا اختصاصيون واستشاريون. لا قيمة للطبيب العام في ثقافتنا. أعيش الآن في كندا. التأمين الطبي حق لجميع المواطنين ومن يعيشون على أرض كندا بشكل دائما. يبدو الأمر مكلفا ولكنه أقل كلفة من الهدر الذي نمارسه. في كندا لا يمكن أن تذهب إلى اختصاصي إلا بتحويل من طبيب الأسرة. في ثقافتنا الصحية لا فرق بين مرض يحتاج إلى مزيد من الفحوصات وبين مرض عارض يمكن التصدي له في مركز صحي. يكاد يكون العلاج في بلادنا جزءا من البرستيج. أعداد الكفاءات لن يحقق كامل قيمته إذا لم يصاحبه تطوير إدارة هذه الكفاءات وتوظيفها. كنت أتمنى أن يكون العقد مع البريطانيين لاستيراد الهياكل الإدارية. تطوير إدارة العملية الصحية في بلادنا عدة سنوات. وأقولها هامسا لكي لا يسمعنا السفير البريطاني: إعادة بناء وزارة الصحة (إداريا) من الصفر.