العراقيون يطلقون عليه اسم «طريق الموت» أما الأمريكيون فيسمونه «زقاق العبوات الناسفة المطورة» التي أصبحت شيئاً مألوفاً على العشرة أميال التي تكون الطريق السريع والشوارع بين بغداد ومطارها الدولي. وينتظر متمردون في سيارات معبأة بالمتفجرات على جانبي الطريق مرور القوافل الأمريكية أو أهداف اخرى. ويختلط المتمردون الذين يركبون سيارات بنوافذ مظللة في الحركة المرورية ثم ينزلون النوافذ بسرعة ليصلوا أهدافهم بنيران بنادقهم السريعة. ويقوم المتمردون الذين يتنكرون في ملابس عمال الطريق ليقوموا بزرع قذائف مدفعية تحت الطريق ثم يقومون بتفجيرها باستخدام الهواتف الخلوية أو أجهزة رفع أبواب الكراجات. ويرمز الصحفيون والجنود وقادتهم للطريق السريع الذي يشكل منحنى ممتدا باتجاه الشرق من ما كان يعرف يوماً ما بمطار صدام حسين الدولي وتقوم على جانبيه أحياء للعرب السنة مثل العامرية والحمراء والجهاد والقادسية التي تعد معاقل حصينة لمؤيدي صدام ب «الممر الايرلندي». وعندما سيطرت القوات الأمريكية على بغداد تحولت هذه الاحياء إلى مأوى للمتمردين. وقد برهن التمرد على حيويته وخطورته باستخدامه أساليب متغيرة . وبالرغم من ان معظم ضحايا طريق مطار بغداد الدولي من المدنيين العراقيين إلا أن عشرة غربيين على الأقل قد لقوا حتفهم على هذا الطريق منذ منتصف إبريل الماضي. وقد أعلنت شركة أمنية مطلع هذا العام بأنها سوف تقوم بتسيير خدمات لعربات أجرة مدرعة من فندق الشيراتون على الضفة الشرقية لنهر دجلة إلى المطار. ويكلف المشوار الواحد من الفندق إلى المطار 2,390 دولاراً مما يجعل منه أغلى خدمة سيارات اجرة في العالم. وسواء كان السير على هذه الطريق في سيارة همفي او سيارة مدرعة أو سيارة عائلية أو سيارة اجرة فان الوصول بسلام يعتبر مناسبة سعيدة تستحق الاحتفال بها. ويقول محمود الدليمي - 52 عاماً - وهو عامل صيانة بالمطار يستغل أوقات فراغه في توصيل المسافرين إلى المطار بسيارته الخاصة» عند مغادرتي مبنى المطار اخذ في تلاوة القرآن لتهدئة نفسي. لا أدري متى يحين أجلي ولكني كمسلم أؤمن بالقدر خيره وشره واعلم بان كل شيء مقدر من الله». وقد حظر على الدبلوماسيين الأمريكيين والبريطانيين وكبار الشخصيات الزائرة استخدام الطريق خلال العام الماضي ويتم استخدام مروحيات مسلحة لايصالهم إلى المنطقة الخضراء وتستغرق الرحلة من المطار إلى هذه المنطقة عشر دقائق ولكنها لا تخلو ايضاً من المخاطر. ويفضل السائقون العراقيون خاصة أولئك الذين يعملون لحساب شركات أجنبية أو أشخاص أجانب السير بسرعة على الطريق السريع المكون من ستة مسارات ويتحاشون المداخل إلى الطريق ويلتزمون المسار الأيمن لتحاشي العبوات الناسفة المزروعة في الجزيرة الوسطى. والبعض يقود سيارته بصورة متعرجة عندما يصل إلى الجسور لتفادي رمى عبوات ناسفة من على هذه الجسور. ولكن برغم كل ذلك تستغرق الرحلة في بعض الأحيان ساعة كاملة عندما تكون هنالك قوافل أمريكية على الطريق أو فوضى تتسبب فيها الهجمات المتكررة. وتحمل بعض القوافل الأمريكية لافتات حمراء باللغتين العربية والإنجليزية تحذر السائقين بالابتعاد عنها مسافة 100 متر على الأقل وإلا فسوف يواجهون «قوة قاتلة». وتستدعي هذه الإجراءات من الرماة في ابراج المدرعات التلويح بقبضات ايديهم للسائقين الذين يقتربون منهم ورمي قوارير الماء وكل ما تقع ايديهم عليه وإطلاق طلقات تحذيرية قبل التصويب إلى رؤوس السائقين. ولكن في غالب الأحيان لا يتورع الرماة عن فتح نيران أسلحتهم وقتل أو إصابة عراقيين غير متورطين في التمرد لا يعرفون شيئاً عن هذه الإجراءات أو ضاقت صدورهم من البطء الذي تتحرك به القوافل مما أثار غضب العراقيين. وقد أخفى القادة الأمريكيون الخسائر في الأرواح على هذا الطريق سراً للمحافظة على الروح المعنوية لجنودهم ومستخدمي الطريق الآخرين. وقبل نشر تقرير عن التحقيق في وفاة نيكولا كاليباري الجنرال بالاستخبارات العسكرية الإيطالية، ظل كبار القادة العسكريين يرددون بان المخاطر على الطريق مبالغ فيها مقارنة بمناطق العمليات الأخرى العالية الخطورة في العراق. وقد تم طمس عدد الهجمات على الطريق في التقرير المنشور غير أن المراسلين وبنقرات خفيفة على مفاتيح الكومبيوتر استطاعوا استعادة الأجزاء المطموسة والتي أشارت لمشاعر الخوف والقلق وسط الجنود الأمريكيين في يوم 4 مارس عندما قاموا بإطلاق النار على السيارة التي كانت تقل كاليباري وجوليانا سغرينا الصحفية الإيطالية التي تم إنقاذها قبل دقائق بعد شهر من اختطافها. وأشار التقرير إلى وقوع 17 هجوماً انتحارياً بسيارات مفخخة في أماكن أخرى في الأسبوع الذي سبق اطلاق النار على كاليباري وقد تم توجيه تحذيرات للجنود الأمريكيين بتوخي الحذر. وقال التقرير بان 135 هجوماً على الطريق قد وقعت في الأربعة اشهر التي سبقت مطلع شهر مارس شملت انفجار 15 سيارة مفخخة و19 عبوة ناسفة على جانب الطريق 14 هجوماً بالقنابل اليدوية. وحتى هذه الأرقام يمكن ان لا تعكس حقيقة الوضع ومدى الخطورة على هذا الطريق والتهديدات التي يتعرض لها المسافرون عليه. وينتصب على طريق الموت نصب يعرف ب «الرجل المجنح» احياء لذكرى عالم الفلك المغربي عباس بن فرناس الذي يقال بانه أول شخص حاول الطيران في عام 875 الميلادي. وعندما تلوح أجنحة النصب يتنفس القادمون من المطار الصعداء ويحمدون الله على سلامتهم. ولا يقابل الجنود الأمريكيون تكليفهم بالقيام بأعمال الدوريات على طريق المطار بالارتياح ويحرص بعضهم على عدم إغلاق أبواب سيارات الهمفي حتى لا تتحول هذه السيارات إلى اقفاص للموت في حالة تعرضها لهجوم. (نيويورك تايمز)