يبدو أن إسرائيل قد سلَّمت بسيطرة الإسلاميين على غالبية مقاعد مجلس الشعب المصري بعد انتهاء المرحلة الأولى والثانية من الانتخابات البرلمانية، الأمر الذي دفعها نحو تغيير لهجة حديثها عن الإخوان عبر وسائل إعلامها المختلفة، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط بل وصل إلى تصاعد اتجاه يدعو إلى ضرورة فتح قناة حوار مع الإخوان باعتبارهم التنظيم الحزبي الأكبر المنوط به السيطرة على الأمور فى مصر مستقبلاً. فالتحول فى الموقف الإسرائيلي حيال الإخوان المسلمين بعد حملة تشويه وترهيب ممنهجة للتخويف من وصولهم لسدة الحكم فى مصر جاء عقب تطمينات مؤكدة من قيادات الإخوان نُقلت إلى تل أبيب باستمرار اتفاق السلام معها واستمرار العلاقات على ما هي عليه الآن. الأكثر من ذلك هو تصريحات السفير الإسرائيلي السابق لدى القاهرة بالمواقف السياسية للإخوان حيال اتفاق السلام، وقوله إنه لم تخرج منهم أية دعوات لإلغائها، على عكس ما يحدث فى إسرائيل وداخل برلمانها (الكنيست) حيث توجد أحزاب دينية مثل حزب شاس وغيره تدعو علانية لإلغاء اتفاق السلام مع مصر. داعياً إسرائيل والإسرائيليين إلى عدم التخوف من وصول الإخوان لسدة الحكم فى مصر. وكشف ليفانون فى حديثه النقاب عن طلبه من القيادات فى تل أبيب فتح قناة حوار مع كبار المسؤولين فى حركة الإخوان المسلمين فور اندلاع ثورة 25 يناير بعد أن لاحظ تعاظم قوة الإخوان فى مصر، لكن طلبه تم رفضه دون إبداء أسباب واضحة. بل إن إسحاق ليفانون شدد على ضرورة تحسين العلاقات مع الإخوان المسلمين فى مصر، لأن لهم تأثيرا قويا على حركة حماس فى غزة، وهذا بالطبع سينعكس على تحسن الوضع الأمني لإسرائيل، لأن الإخوان يمكن أن يدفعوا حماس على التخلي عن الكفاح المسلح ضد إسرائيل، مؤكداً بأن ذلك قد لا يحدث اليوم أو غدا، بل قد يحدث فى أي وقت لايمكن توقعه. ويلاحظ أن التغير الإسرائيلي الطارئ جاء نتيجة توصيات صادرة عن أهم مراكز الأبحاث والدراسات في إسرائيل فقبل أيام قليلة أوصت دراسة حديثة صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب الإسرائيلية تحت عنوان آفاق جديدة للاستخبارات الإسرائيلية بعد ثورة الربيع العربي, بفتح قنوات حوار مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر, حيث أشار كاتب الدراسة أودي جولان في سياق دراسته إلى أن هذا الأمر يرجع إلى أن وجوب التواصل مع الإسلاميين هو أحد الدروس المستفادة من الثورة الإسلامية في إيران، مشيراً إلى أن حادث سقوط نظام الشاه في إيران عام 1979 يجسد أهمية جمع المعلومات المخابراتية عن الدول الحليفة, وقال إن ممثلي السفارة الإسرائيلية في إيران ورجال المخابرات بها رصدوا مؤشرات اهتزاز نظام الشاه، وحذروا من ذلك. وفى مارس 1977عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعاً حول مسألة استقرار نظام الشاه، وكانت التقديرات أن هذا النظام في خطر وسيظل صامداً لمدة ثلاث سنوات فقط, وعلى ضوء ذلك تم إعداد خطة طوارئ لإجلاء الإسرائيليين من إيران، وبالفعل تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتقليص الخسائر التي قد تحدث نتيجة لسقوط نظام الشاه. لكن المشكلة الكبرى التي كانت تواجه إسرائيل هي أنها لم تستطع جمع معلومات عن الوضع في إيران، بسبب أن الأخيرة كانت تعتبر دولة حليفة لإسرائيل. وخلص الكاتب للقول بأن إسرائيل قد تحاشت إقامة أية علاقات مع المعارضة الإيرانية خشية أن يؤثر ذلك في العلاقات القوية التي كانت تربطها مع النظام الإيراني. وبعد أن اتضحت الصورة أمام المخابرات الإسرائيلية واكتملت ملامحها حيال سقوط الشاه ونظامه، شرعت في التحرك لجمع المعلومات المخابراتية عن الأوضاع الداخلية في إيران، وبدأت في إقامة علاقات مع عناصر المعارضة الإيرانية، واستعانت في ذلك برجال الأعمال الإسرائيليين في إيران وباليهود الإيرانيين. ولئن كانت إسرائيل تعلمت من تجارب الماضي فهل يأتي اليوم التي يجلس فيه قادة الإخوان والإسلاميين في مصر وغيرها من العواصم العربية على طاولة واحدة مع الإسرائيليين ...؟ هذا أمر لايعرف أحد حتى الآن الإجابة عنه ، ولكن وحدها إسرائيل هي التي تعرف الإجابة والإخوان هم وحدهم من يعرف تأثيره على مستقبل السلام أو الصراع في المنطقة.