رسالة تخاطبك أنت يا من تقرأ هذه السطور.. انظر خلفك.. هناك في ذلك البيت الصغير.. أتراها تلك المرأة في العشرين من عمرها تحملك بين يديها تقبلك تحضنك تلقمك ثديها تهدهدك.. أتعرف كم الساعة إنها الثانية بعد منتصف الليل لم تنزعج لم تعترض بل احتوتك بكل حنانها ودمعت عيناها عليك عندما لم تعرف سبباً لبكائك.. مهلاً.. لا تغمض عينيك أرجع مرة أخرى إلى الخلف أتراها قد أصبحت في الثلاثين من عمرها وها هي تذاكر لك وأنت تركض هنا وهناك ترفض المذاكرة وهي خلفك تطلب منك الاعتناء بدروسك وعندما تتعبها تنزل دموعها بهدوء وتقول لك أنا أخاف عليك وأريدك أن تصبح أفضل من في الوجود.. لا .. لا تغمضها أرجع أيضاً إلى الوراء قليلاً وقد أصبحت في الأربعين وأنت أصبحت شاباً وها هي ليلاً تنتظرك تخشى عليك وتدعو لك في وترها تسأل نفسها هل أنت بخير؟ هل تناولت عشاءك.. ثم ها أنت تدخل وتصرخ في وجهها أنا لست طفلاً لتنتظريني وتتهلل هي بشراً وتحمد الله على عودتك بالسلامة وتدعو لك بالهداية وتكرر السؤال مرات عديدة هل تناولت عشاءك فتنصرف عنها أنت بلا مبالاة فتنزل دمعتها الحرى مرة أخرى وتمسحها بهدوء.. مهلاً لا تغمض عينيك.. أريت كم أبكيتها ولكنك لم تكتف بهذا فحتى لو حاولت حجب الماضي فلن تستطع حجب الحاضر، فها أنت بعد أن بلغتْ من العمر عتياً تركتها وحيدة ليس لها جليس سوى الدموع لاهياً فرحاً بزوجتك ثم بولدك الأول الذي لم تره جدته بعد.. يا مسكين ألم تدري أن ولدك هذا سيبكيك كما أبكيتها من قبل.. ما بك؟! ألم تعرف عن من أتحدث، إنها أمك أرسلت هذه الكلمات قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة «يا بني.. رعيتك حتى كبرت واشتد عودك وها أنت بعد حلول العمر يبدو جحودك.. يا بني أسقيتك الحب كأساً واليوم أُسقى منك الجفا تجرعاً... والآن يا بني أعلن رحيلي فهل ستجد كقلبي قلباً يدعو لك تضرعاً.. أمك المحبة».