يحتضن رحاب الحرم المكي الشريف هذه الأيام مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره في عامها الثالث والثلاثين برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (حفظه الله) . في بلد الله الحرام مكةالمكرمة أرض الرسالة ومهبط الوحي .. في أيام مباركات من شهر الله المحرم تجرى أفضل مسابقة وأكبرها مسابقة المؤسس الملك عبد العزيز رحمة الله تعالى، تجمع شعوب العالم على مائدة القرآن ، ترسيخاً لمعاني الأخوة، والتناصح، والسلم، والوسطية والاعتدال، والشورى ياله من عرس قرآني جميل. وتأتي مسابقة القرآن الكريم خدمة لكتاب الله الكريم وفي إطار الاهتمام بالشباب والناشئة ليس في المملكة العربية السعودية فحسب وإنما في العالم أجمع، وجذب المسلم وترغيبه في تعلم وحفظ كتاب الله الكريم، والإقبال عليه بالحفظ والعناية والتدبر. ولا غريب في ذلك، فإن هذه البلاد موئل الدين وموطن الحرمين الشريفين، ومهوى أفئدة المسلمين ومبعث الرسالة وحاملة لواء الدعوة إلى الله وتتشرف بريادة العالم الإسلامي وقيادته. لقد بدأ الاهتمام والرعاية بالقرآن الكريم في المملكة العربية السعودية منذ بداية تأسيسها ومطلع توحيدها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود – طيب الله ثراه – فمنذ أن تفتحت عينا الملك عبدالعزيز على الحياة، كان الدرس الأول الذي وعاه في صباه هو القرآن، تلاوة وتدبرًا وحفظًا، وظل ملازمًا له طوال حياته .. ربّى أبناءه على حب القرآن والتمسك به. لم يتردد الملك المؤسس في أن يعلن للعالم كله أن القرآن الكريم والسنة المطهرة هما دستور الأمة السعودية ومنهج حياتها في جميع المجالات وأن جميع أمور الدولة وشؤونها خاضعة لحكم الله تعالى، وقال: ( إن كتاب الله ديننا ومرجعنا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دليلنا، وفيها كل ما نحتاجه من خير ورشاد، ونحن من جانبنا سنحرص إن شاء الله كل الحرص على إقامته وإتباعه وتحكيمه في كل أمر من الأمور ). وعلى هذا المنهج القويم والصراط المستقيم سار ملوك المملكة من بعده أبناء الملك عبدالعزيز رحمهم الله أجمعين. وعندما تولى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – مقاليد الحكم أكد سيره على هذا المنهج ووطد دعائمه في أول خطاب له للأمة ملكاً ووليّاً للأمر وخادماً للحرمين الشريفين فقال – حفظه الله :( أعاهد الله ثم أعاهدكم أن أتخذ القرآن دستوراً والإسلام منهاجاً وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل). هذه اللوحة المشرقة من التآلف والتآخي بين أبناء العالم الإسلامي تحرص المملكة على إبرازها كل عام والتي تبعث السرور في نفوسنا جميعاً خاصة ونحن في هذا الوقت الذي أحوج ما نكون فيه إلى الاعتصام بحبل الله المتين والعودة إلى المنهج القويم لحياتنا . إن ما تقدمه المملكة من دعم واهتمام بهذه التظاهرة الإسلامية المباركة ممثلة في مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية وحرصها على تشجيع الناشئة من الحفظة للالتحاق بها نابع من حرصها على التمسك بكتاب الله قولاً وعملاً وهي بذلك إنما تعبر عن الدور الرائد الذي تضطلع به في العالم الإسلامي واهتمامها بدعم ورعاية نشر كتاب الله الكريم وخدمة كل المسلمين وضمان تمسكهم بالقرآن الكريم وكأنما هي رسالة تذكير تتجدد كل عام بأهمية القرآن الكريم وأنه الرابط الأساس بين كل هذه الشعوب الإسلامية في شتى أقطار المعمورة واهتمام المملكة بالقرآن الكريم متواصل لا ينقطع فهذه الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم تنتشر في طول البلاد وعرضها ويلتحق بها أعداد كبيرة من أبناء الوطن والمقيمين على ثراه الطاهر يتخرج منهم كل عام الآلاف من الحفظة وما تحقق ذلك بعد توفيق الله إلا بجهود كبيرة ورعاية ملحوظة تعكس قدر العناية بهذه الجمعيات والحرص على نجاحها وتطويرها. ونشعر نحن أبناء هذا البلد المعطاء بقدر كبير من الفخر والاعتزاز على هذه الجهود المباركة وغير العادية التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (حفظه الله) لإقامة هذه المسابقة سنوياًّ وليس ذلك بالأمر السهل فما نراه من فعاليات المسابقة إنما هو نتاج لجهود متواصلة وبرامج واستعدادات مكثفة في جميع المجالات المتعلقة بها وسخرت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لها طاقات مادية وبشرية وتقنية كبيرة لضمان نجاحها وتحقيق الأهداف السامية للمسابقة وهي بحد ذاتها جزء من المجالات الكثيرة لنشر كتاب الله الكريم فالمسابقة ليست البرنامج الوحيد للعطاء وإنما هي حلقة مضيئة في منظومة مباركة من الأعمال والإنجازات والمشاريع الخيرية المتعددة والممتدة في كل أرجاء المملكة وخارجها فهناك جمعيات تحفيظ القرآن الكريم ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ومكاتب الدعوة والإرشاد ومكاتب دعوة الجاليات وإذاعة القرآن الكريم ونداء الإسلام ومحطتي تلفزيون القرآن الكريم والسنة النبوية إضافة إلى ما تقدمه الدولة رعاها الله من دعم مادي ومؤازرة معنوية للمراكز الإسلامية والجاليات المسلمة في العالم والعمل على خدمتهم ومد يد العون والأمثلة على ذلك كثيرة ولا يتسع المجال لتعدادها وكل ذلك يصب في مصلحة خدمة ديننا الإسلامي الحنيف ونشراً لكتاب الله الكريم . وما يميز المسابقة هذا العام زيادة الجوائز المادية للفائزين في المسابقة إلى مليوني ريال وعددهم (25) فائزاً كما سيتم منح كل متسابق حضر للمملكة إهداء نقدياً ألفي ريال إضافة إلى الجوائز العينية التي سوف تقدم لكل متسابق. وحرصاً على أن تشمل المسابقة أكبر عدد ممكن من الحفظة من أبناء المسلمين في العالم وإعطاء الفرصة للجميع وضماناً لعدم تكرار المشاركين فيها مرات سابقة فقد روعي في شروطها أن لا يكون قد سبق للمرشح المشاركة في المسابقة وبذلك يتحقق انتشارها وتجددها كل عام . والناظر بتأمل في هذه المسابقة يجد أنها تحقق أهدافاً عظيمة من أهمها أنها تعد تعريفاً إعلاميّاً كبيراً بالدين الإسلامي فمشاركة هذا العدد الكبير من الطلاب الحفظة من جميع دول العالم ونشرها عبر عدد من وسائل الإعلام والفضائيات يسهم في إيصال الرسالة الإسلامية للعالم وينقل صورة إيجابية وانطباعاً جيداً عن أهمية القرآن الكريم في حياة المسلم ومن أهدافها أنها تعد تشجيعاً وحافزاً للكثير من شباب المسلمين للجد والاجتهاد في تدارس كتاب الله وجودة إتقانه وفهم معانيه ليحظى بشرف زيارة بيت الله الحرام والمشاركة في المسابقة ولا شك أنها تمثل تتويجاً معنويّاً للفائزين فيها وشهادة على تفوقهم وكفاءتهم في أشرف مجال وخير عمل وصدق المصطفى حين يقول ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) ولا شك أن تطور المسابقة يزداد عاماً بعد آخر فبداية هذه المسابقة كانت عبر المسابقات المحلية لحفظ القرآن الكريم في المملكة حيث تطورت تلك المسابقات وتوسعت إلى أن طرحت فكرة إنشاء المسابقة الدولية ووافق عليها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ولا عجب فإن المملكة بقيادتها الرشيدة سباقة إلى الخير ورائدة في هذه الأعمال المباركة وتسعى لكل ما من شأنه تطويرها ورقيها نسأل المولى عز وجل أن يتحقق النفع لكل من شارك في المسابقة وأن تعم الفائدة منها العالم أجمع وأن يجزي القائمين عليها خير الجزاء إنه نعم المولى ونعم المجيب. *رئيس جمعية تحفيظ القرآن (خيركم) بمحافظة جدة