فلقد أشرقت سماؤنا مع بدء عام هجري جديد، وفي ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله الحكيمة لنقطف ثماراً يانعة ممن انعقدت بهم الخيرية بقول النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه). ومن اللافت للنظر أن يكون هذا التجمع القرآني، في شهر محرم، بأطهر بقعة؛ مكةالمكرمة: مهبط الوحي ومنبع الرسالة؛ إذ يجتمع فيه نخبة مباركة من (53) دولة من قارات العالم ليُشهِدُوا العالم هذا الكتاب العظيم، والنور المبين؛ الذي هدى البشرية من طريق الظلال إلى طريق الهداية مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى: (الر كتاب أنزلناه إليك لتُخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) . إن القرآن الكريم كلام الله، أنزله على رسوله وحيًا، وصدَّقه المؤمنون على ذلك حقاً، وصفه منزله سبحانه بقوله: (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)، كما وصفه جلت قدرته بقوله: (الر كتاب أحكمت آياتته ثم فُصلت من لدن حكيم خبير). آياته في غاية الدقة والإحكام، والوضوح والبيان، أحكمها حكيم، وفصَّلها خبير، لم يتطرق إليه أدنى شيء من التحريف؛ تحقيقاً لقوله تعالى:(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). لم تظفر الدنيا كلها بكتاب أجمع للخير كله، وأهدى للتي هي أقوم، وأوفى بما يُسْعد الإنسانية، من هذا القرآن المجيد، الذي قال الله فيه: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويُبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات إن لهم أجراً كبيراً) . هذا القرآن الكريم أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، كما قال سبحانه وتعالى: الر كتااب أنزلناه إليك لتُخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) . ومما يدل على فضل القرآن، وعلو منزلته في الدنيا والآخرة أن الله عز وجل عظَّم من عظَّمه، وجعلهم أهله وخاصته، وأنَّ من إجلاله إجلالهم، كما قَال النبي صلى الله عليه وسلم : "مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ؛ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ القرآن؛ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ؛ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاق فَلَهُ أَجْرَان". وقال: "إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِن النَّاسِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ". وعلى هدي من تلك العناية والأهمية جاءت مسابقة الملك عبد العزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره لتكون خير مثال، وأصدق ترجمة، وأوضح فعل، وأصدق تطبيق، لإكرام أهل القرآن وحملته، مع إسهامها في إبراز اهتمام المملكة العربية السعودية بكتاب الله الكريم، والعناية بحفظه وتجويده وتفسيره، وتشجيع أبناء المسلمين على الإقبال على كتاب الله حفظاً وأداءً وتدبراً، وإذكاء روح المنافسة الشريفة بين حفاظ كتاب الله، إن سمو أهداف المسابقة واقترانها باسم المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله والرعاية الكريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله لفعالياتها، توج نجاح هذه المسابقة ومنحها وهي تدخل دورتها الثالثة والثلاثين قدرًا أكبر في اجتذاب حفظة القرآن الكريم، من جميع أنحاء العالم، وضاعف من جهود ترشيح المتميزين للاشتراك بها، وتلك دلالة كافية على نجاح المسابقة في تحقيق أهدافها. إن هذا المحفل المبارك لمن دواعي السرور، وهو يجمع فتية قد اجتهدوا لحفظ القرآن، وانصرفوا عن كثير من الصوارف، يجد الإنسان راحة في صدره، وطمأنينة في قلبه، وهو يرى شباباً قد نضجت قلوبهم بالقرآن، وتغنت أفواههم بتلاوته، وصحت أجسامهم بالعمل به. وليس غريباً أن نسمع عن رعاية مليكنا لمثل هذه المحافل التي يُكرم فيها أهل العلم والدعوة، ولا سيما أن هذه الدولة الشامخة اتخذت من هذا الكتاب دستوراً في جميع شؤونها، فنحمد الله على النجاح الباهر لمثل هذه المسابقات، وكثرة المقبلين عليها، ونسأله جلت قدرته أن يبارك في عمل القائمين عليها، ويضاعف مثوبتهم ويرزقهم الإخلاص في ذلك، وأن يجزيهم خير الجزاء. وإنني بهذه المناسبة أوصي جميع الطلبة، والمعلمين بتقوى الله سبحانه، وإخلاص النية، والصدق في العمل، كما أحثهم على مواصلة الطلب، وعدم الملل أو العجز، والجمع بين العلم وثمرته بالعمل، والإقبال على القرآن والإكثار من تلاوته ومدارسته، وتفهم معانيه. إن استمرار تنظيم مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية بمكةالمكرمة على مدار ثلاثة عقود لدليل حي ومتجدد على ما تحقق لهذه المسابقة من ريادة عالمية، وحضور دولي كبير، وأثر بالغ ملموس. جزى الله خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين نائب رئيس رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير/ نايف بن عبدالعزيز حفظه الله خير الجزاء على ما قدماه ويقدمانه لهذه المسابقة المباركة من دعم مادي واهتمام معنوي ومتابعة لمسيرتها الموفقة وما تحظى به من عناية خاصة من صاحب المعالي الشيخ / صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الذي لم يألُ جهداً في كل ما من شأنه الرقي بمستواها، وتطويرها ودعمها وكافة العاملين معه والقائمين على المسابقة. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. *وكيل وزارة العدل