قبل موجة الاحتلال التي اجتاحت العالم العربي والإسلامي منذ القرن الثالث عشر كان التاريخ الهجري هو التاريخ المعتمد على المستوى الرسمي والشعبي في جميع الأقطار العربية والإسلامية، والدليل على ذلك أن الكتب التي ألفت قبل العهود الاستعمارية كانت تعتمد على التأريخ الهجري، وتدون به، ولا تستعمل سواه. ولما أناخ المحتل بكلكله على بلدان الشرق ألزم الدول المغلوبة على أمرها باعتماد التاريخ المسيحي الغربي، واستمرأت ذلك مع مرور السنين، وأصبح البديل عن التاريخ العربي الإسلامي، واعتمدته رسمياً وشعبياً، وغدا أثراً ثابتاً ماثلاً من آثار الاستعمار؛ فلا نجد دولة عربية إسلامية تؤرخ الآن بهجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام ما عدا المملكة العربية السعودية وإيران، غير أن الأخيرة اعتمدت التقويم الشمسي دون القمري؛ وأيامه مطابقة للتقويم المسيحي، في حين أن المملكة اعتمدت التقويم القمري الذي وضعه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - استناداً إلى قوله تعالى في سورة يونس: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالحَقِّ يُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فمنازل القمر هي رحلته عبر السماء منذ بزوغه هلالاً حتى أفوله نهاية الشهر، قال تعالى: (وَالقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرْجُونِ القَدِيمِ). فالله – سبحانه وتعالى – شرع لنا التأريخ بالتقويم القمري دون الشمسي، ولذلك يعد الهلال رمزاً إسلاميّاً مقابل الصليب في الديانة المسيحية. واعتماد التاريخ المسيحي الغربي دون الهجري يعد ضربةً في وجه التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بأمجادها ومنجزاتها وتراثها الضخم عبر القرون. فمنظومة الحضارة العربية والإسلامية منذ بدء التدوين، بل منذ اتخاذ التقويم الهجري تأريخاً للوقائع والأحداث والأخبار والتراجم إلى طلائع النهضة العربية الحديثة دونت كلها بالتاريخ الهجري، ومن العقوق والتنكر لما دون به عبر أكثر من أربعة عشر قرناً هجره إلى غيره. وعلى الرغم من أن الجهات الرسمية في المملكة لا تزال محافظة على استعمال التاريخ الهجري القمري، والقرار الصادر بهذا الشأن يلزم باستعماله، ويلح على اتخاذه في جميع المكاتبات والمعاملات على الرغم من ذلك فإنَّ عدداً من الشركات والمصارف والفنادق والقطاع الخاص عدلت عن التاريخ الهجري إلى المسيحي، وربطت به رواتب موظفيها. وربما نجد لبعضها عذراً بحكم علاقاتها بالجهات المماثلة خارج المملكة. والشيء غير المقبول أن ينصرف عدد غير قليل من الكتاب والقصاص في المملكة إلى تبني التقويم المسيحي دون الهجري، بحجة الانفتاح على الثقافات الأخرى والانتماء إليها، والأخذ بأسباب الحضارة والحداثة، والإحساس بأن التاريخ الهجري أصبح ضرباً من تراث قديم، لا يناسب التطلع إلى الثقافات المعاصرة والاندماج فيها والانتساب إليها. والالتزام بالتاريخ الهجري يمليه الشعور بضرورة الانتماء إلى الإسلام، واللغة، والجنس، والوطن، وما احتضنته هذه العناصر من امتياز حضاري وتفوق ثقافي، ويكفي أنه يذكرنا بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. * أكاديمي وكاتب