هل دخلت المنطقة العربية ميدان الصراع بين القوى الكبرى، وخاصة بعد الثورات المستجدة، سواء على تقاسم المصالح، أو استعراض القوة بينها، وهذه المرة ليس من منطق الأيديولوجيات، وإنما من خلال عولمة المفاهيم الجديدة للمراحل القادمة؟! الحوار الخشن بين الشرق الممثل بالصين وروسيا، والغرب حلف الأطلسي وتوابعه، يواجه طرفاه عجزاً اقتصادياً ولوجستياً يتمثل بالعديد من الحالات وكل يريد استغلال ضغف الآخر من خلال مواجهات على الأراضي البعيدة عن مواقعهما، أسوة بالصراعات أيام القطبية الثنائية، واختيار المنطقة العربية التي تخوض مرحلة انتقال جديدة، فرصة لاختبار القوة، وقد نجح الغرب بأن كسب معركة ليبيا رغم تأييد دولتي الشرق لنظام القذافي مما اعتبر هيمنة جديدة للدول الغربية لثروات نفطية، انعقدت بعد نجاح الثورة صفقات هائلة مع الحكومة الليبية الجديدة، مما فوت الفرصة على الصين وروسيا من تحقيق مكاسب مماثلة، ومع تونس؛ فالاتجاه غرباً فرضه الجوار وتقارب المصالح والثقافة، أي أن دول المغرب العربي أقرب لأوروبا من غيرها عدا ليبيا القذافي الذي لا يُعرفُ له وجهٌ في انقلاب علاقاته، وتضخيمه لذاته، وهذا مكسب آخر للغرب، يُسجل خلال هذه المرحلة.. أما مصر ما بعد التجربة الناصرية التي تحالفت مع الاتحاد السوفيتي نتيجة مرارة الاستعمار وما بعده من حصار غربي لها، شهدت ما بعد الناصرية اتجاهاً نحو أمريكا والغرب، لكن بروز الصين قوة اقتصادية عظمى، جعلها تدخل المنطقة من خلال سلعها لا قواتها العسكرية، وهو انتصار البضاعة على الرصاصة، وبقيت روسيا مجرد مستودع أسلحة دون أي أثر لمبادلات اقتصادية ناجحة.. سوريا الآن في مرمى مدافع الغرب، وموقف مضاد وداعم من دولتي الشرق على أي إجراء اقتصادي وعسكري؛ وهذا التضامن يبقى شكلياً ليس لضعف الدولتين الكبيرتين، ولكن لأن سياساتهما تبقى بعيدة عن التماس مع الغرب للعديد من الأسباب، ومع ذلك هناك محاذير لدى الطرفين تجاه أي مغامرة تؤدي إلى صدام محتمل بين تلك الأطراف.. الدول الأخرى العربية وخاصة الخليجية القوة الاقتصادية الأولى في المنطقة تتعاطى مع كل الأطراف بحسب مايملكه من امكانات تخدم توجه هذه الدول، ومع أن الغرب لاعب أساسي، إلا أن الصين بدأت تحصل على فرص أكثر من روسيا بدخول بضائعها وشركاتها المعادلة مع الغربي في أخذ فرصتها في تلك الدول.. الدول الثورية العربية تتجه حكوماتها إلى سيطرة الإسلام السياسي عليها، وهو أمر محير للشرق والغرب معاً، وكل منهما يراقب المستقبل بحذر، وإن كان الغرب والصين الأقرب بالفوز بالتبادلات الاقتصادية، والسياسية، والخاسر الأكبر ربما تكون روسيا إلا إذا حدث تبدلٌ يقلب الطاولات على بعضها..