لا نستطيع الجزم أن السياسة الصينية والروسية ثابتة؛ بحيث يقيمان علاقاتهما مع الدول بنفس الاتجاه الشيوعي في وقت تغير كل شيء في نظامهما السياسي والاقتصادي، إلا أن موقفهما من ثورتي ليبيا وسوريا، وهو ما وصف من داخل صانعي القرار في البلدين بالمضر بمستقبل علاقاتهما مع الشعبين العربيين، جاء معاكساً للتوقعات.. فتسريب وثائق القذافي بأن تعاوناً عسكرياً بين نظامه والصين بأن الأخيرة كانت على وشك توريد أسلحة كبيرة لقمع الثورة، ولا ندري إذا كانت قراءة الصين خاطئة بأن المحافظة على القذافي يعني حماية استثماراتها الهائلة، لكن دولاب حركة الثورة سار بالاتجاه المناقض لتوقعات الصين وتحرياتها، وهذه الزلّة لا يمكن أن يعفو عنها الشعب الليبي، والحال مع روسيا سار بنفس الإيقاع، ولو اعتبرنا موقفهما جاء نتيجة تنسيق بينهما في مواجهة الغرب، فإن الأخير دخل بقوته العسكرية لإسقاط القذافي، وهو ما تم بالفعل، دون أن يأتي رد الفعل من الطرف الآخر مهماً في سير الأحداث، حتى أن كشف وثائق سرية ليبية بتعاونها مع الاستخبارات الأمريكية والبريطانية يؤكد أن الغرب كان متغلغلاً في صلب السياسة الليبي، وأن القذافي كان يخادع الأصدقاء الروس والصينيين.. الروس يدعون المعارضة والدولة السورية بأن تكون وسيطاً مقبولاً في حل المعضلة، لكن الطرفين يعرفان أن الثقل الروسي ليس بحجم الضغط الغربي وتنامي الريبة السورية بلعب دور مؤثر يبدو صعباً، وأنها مثل الصين تريد مد الحبال مع المعارضة والدولة حتى تمسك العصا من الوسط تحسباً لأي تطورات قادمة، وذلك لحماية استثماراتها وديونها الهائلة على سوريا، لكن موقفها في مجلس الأمن والوقوف مع نظام الأسد بشكل واضح، غيّر القناعات عند المعارضة، لأنها تعادي إرادة شعب، وقد يضعف موقفها ليس مع الشعبين السوري والليبي، بل يضر بمصداقيتهما في أي عمل سياسي داخل المنطقة العربية.. الصين قوة عالمية قادمة وسيكون لها موقع مؤثر على الخريطة العالمية، فهي تمد يدها لإيران المحاصرة اقتصادياً، ولكنها لا تغير من تعاونها الاقتصادي مع المؤسسات المالية الأوروبية والأمريكية، وتصادق باكستان، ولكنها لا تعادي الهند، وفي الوطن العربي لها مصالح كبيرة، وعملية أن تصوغ سياسة تناسب ثقلها مطلوب، ولكن بدون (ميكافيلية) جديدة لأن من اكتوى بنيران الغرب، لا يريد أن يحترق بنيران الشرق، وبالتأكيد، فالصين تملك الرؤية والفعل المؤثرين عالمياً أكثر من روسيا المرتبكة والتي يغلب عليها طابع العلاقات التي رسمتها الحقبة الشيوعية، والتي لم تستطع الخروج من أسرها حتى في زمن المتغير الكوني في كل العالم.. أوروبا وأمريكا تديران سياساتهما في المنطقة العربية، وخاصة زمن الثورات بكفاءة ناجحة، والدليل أن توقيع اتفاقات مع ليبيا على النفط وغيره أدى إلى خسارة الروس والصينيين لدولة مهمة، وقد يتكرر الخطأ مع سوريا إذا ما استمرت التوقعات الخاطئة التي قد تكون مكلفة للغاية دبلوماسياً واقتصادياً..