سحب المتاجر الكبرى للتموين الغذائي للمتسوقين بمساحتها الهائلة وعروضها المغرية وأزيز مكائن حساباتها التي تلتهم المدفوعات لم يفلح في القضاء على دكان الحارة داخل الأحياء والقرى والهجر، "الصراع من أجل البقاء " العبارة التي ربما تطلق لتصوير المشهد بين المتجر العملاق والدكان الذي يقاوم الحصار والضغط ببساطة المكان وتواضع العرض والحساب بطريقة الدين. من وجهة نظر اجتماعية يرى عبدالرحمن بارحمة صاحب دكان قديم في حي جرول التاريخي أن المترددين عليهم تحولوا من عملاء إلى أشبه بأصدقاء ،حيث ثمة زبائن لهم أكثر من 35 عاماً يشترون مستلزماتهم التموينية من الدكاكين الصغيرة و يرفضون التردد على المتاجر الكبرى، كما أن أكبر المترددين على دكاكين التموينات في الأسواق القديمة هم من كبار السن الذين لا تخرج طلباتهم عن الضروريات بعيداً عن المواد المعلبة الجديدة. وفي مدينة بحجم مكةالمكرمة تتناثر حولها مئات القرى والهجر تظهر صورة دكان القرية بوهج أكثر إلى أشبه بملتقى يجمع السكان وصالون أدبي مكشوف تطرح فيه القصص والروايات الشعبية وتسترجع داخله ذكريات وتاريخ الموروث الشعبي وتردد فيه جملة من أنواع الشعر الشعبي. صاحب الدكان في القرية والحارة يجمع أكثر من مهمة فهو فوق ممارسته التجارية دلال عقار يدل الباحثين عن بيت أو أرض أو مزرعة ونقيب يدل مندوبي الجهات الحكومية عن مواقع المطلوبين للمراجعة وأشبه بمستشار اجتماعي يجيب السائلين عن أخلاق المتقدمين للزواج من بناتهم أو شقيقاتهم وأمين سر يعرف أسرار بيوت الحارة ويرصد الحراك اليومي مما يحوله إلى مخبر غير رسمي. ويقول بدر بن ستير اللحياني الباحث في تاريخ شمال مكةالمكرمة الدكاكين القديمة عادة ما تبنى من جريد النخل والطين وتظل أشبه بملتقى أدبي ومنبر اجتماعي خاصة أهل القصص والرواة وطائفة من السمار وهم في الغالب من المقيمين إقامة غير دائمة في الوقت الذي لا تتوفر في الدكان إلا الضروريات من المواد الغذائية. وأضاف: ويشكل هذا التنوع في ملتقيات أصحاب الدكاكين إثراء فريدا في تكوين الملاك والمترددين المعرفي مما يوفر لهم فرصة كبيرة للتواصل مع كافة طبقات المجتمع، ومن بين أهم القرى التي تتجلى فيها صورة الدكان القديم في قرى مكةالمكرمة قرية مركز عين شمس، حيث يعتبر عطية بن عطيان اللحياني أحد أشهر أصحاب الدكاكين التي تجمع عددا من الأعيان، حيث دكانه من الجريد الخالص في حدود عام 1365ه. عدسة - محمد حامد