دكاكين قرى محافظة الجموم ال120 صورة مضيئة لحد الوهج، إذ تمثل حقبة تاريخية معرفية كانت منهلا للعلم والثقافة الاجتماعية وكانت تمثل ملتقى يجمع السكان وصالونا أدبيا مكشوفا تطرح فيه القصص والروايات الشعبية وتسترجع فيه ذكريات وتاريخ الموروث الشعبي. كانت تردد فيه جملة من أنواع الشعر الشعبي والصورة الأخرى قاتمة لدرجة الشعور بالأم لدكاكين شعبية أغلقت بسبب عزوف سكان القرى عن الشراء منها تحت جذب مغناطيسي للأسواق والمراكز التموينية الفاخرة مما ألغى ملمحا يمثل صورة ناصعة للتواصل الاجتماعي بين أفراد القرية. وفي الجموم لا زالت قرى تتشبث بدكان القرية كعلامة فارقة في جبينها وقاعدة مهمة لاجتماع كبار السن في حين أن قرى أخرى وجدت نفسها في شراك المولات الحديثة. ويعتبر الشيخ عطية اللحياني واحدا من أشهر أصحاب الدكاكين التي تجمع عددا من أعيان الجموم وقرية عين شمس، إذ يؤكد الباحث في تاريخ وادي فاطمة، بدر الغريفي أن الراحل ولد في عام 1430ه وأنشأ دكانا في الجموم وتحديدا في سوق الجموم القديم إلى جوار العين، بناه من جريد النخل وظل ملتقا أدبيا رائعا خاصة للشعراء وأهل القصص وطائفة من السمار وهم في الغالب من المقيمين باعتبار أن الجموم محطة قوافل مما هيأ له تنوعا ثقافيا ومعرفيا واسعا خاصة في شبابه. ويضيف الغريفي: تجربة اللحياني لم تدم طويلا إذ تأثر بمجريات الحرب العالمية الثانية وانكماش التجارة نتيجة الحصار البحري لقناة السويس ونذر الحرب الرهيبة المخيمة على أجواء البحر الأحمر بسبب رغبة الألمان والطليان في مشاغلة الإنجليز وقفل قناة السويس، ولهذا توقفت تجارة البحر الأحمر وانعكس سلبا على مجريات التجارة لهذا أقفل دكانه، ثم أنشأ بالقرب من سفح حرة العجيفاء شرق شعب أبو قروش في عين شمس القديمة دكانا أيضا من الجريد الخالص في حدود عام 1365ه ولكنه احترق بسبب بعض الزبائن الذين أشعلوا النار في الملحق الصغير المجاور لدكانه دون علم بخطورتها حيث انفلتت فجأة صوب الدكان مع هبوب الرياح الشرقية تطاير الاشتعال واحترق الدكان. وأضاف الباحث التاريخي الغريفي: صمم دكانا آخر في نفس الموقع من اللبن وسقفه بالجريد والحصير وجعله على هيئة حجرة مع ملحق صغير (مخزن) وما زال يحتفظ الدكان بهذا السقف وبقايا الجدران، وهنا حول دكانه أيضا إلى منتدى أدبي كبير حيث ظل يحضره كثير من الناس وهم العاملون في قطاع الزراعة في مزارع عين شمس القديمة، حيث يمكث لديه في الدكان بعض الناس وهم أصناف شتى وقبائل متفرقة، فعين شمس القديمة كان يأوي إليها أخلاط من الناس دفعتهم ظروف الحرب العالمية الثانية للعمل كمهاجرين ومنهم تلقى كثير من المعارف المختلفة وشتى أنواع الثقافات الشعبية والاجتماعية والجغرافية والتاريخية والشعرية والأدبية وأعني بالأدبية (أحاديث السمر ) مع ما تجود به قرائحهم من أشعار ومحفوظات وكان يرحمه الله يحفظها ويرويها عنهم، وقد شكل هذا التنوع إثراء فريدا في تكوينه المعرفي مما هيأ له فرصة كبيرة للتواصل مع كافة طبقات المجتمع، كما أنشأ علاقة جيدة مع تجار جدة عن طريق التبادل التجاري حيث كان يبيعهم بعض المنتجات المحلية.