على صعيد تطورات العملية الكينية في الصومل، قال قائد القوات المسلحة الكينية، جوليوس كارانغي، أمام الصحافيين في نيروبي في التاسع والعشرين من تشرين الأول اكتوبر: "حين تعتبر الحكومة والشعب الكينيان أنهما في مأمن سننسحب"، موضحاً أن "لا مهلة زمنية" لذلك. وقد تمكن الجيش الكيني من تحصين مواقعه التي سيطر عليها منذ بداية هجومه حتى مسافة مائة كيلومتر من الحدود. نيروبي تبرر تدخلها بالمحافظة على «وحدة وسلامة» أراضيها بكل الوسائل وسيطر الجيش خصوصاً، في 27 تشرين الأول أكتوبر، على مدينة بورغابو الساحلية من دون خوض معارك، لكنه كان لا يزال على بعد أكثر من 120 كيلومتر من ميناء كيسمايو، الذي يبدو الهدف الضمني للعملية الكينية. وفي أقصى الجنوب قرب الحدود، أكد الجيش الكيني أنه "بسط الأمن" في بلدة رأس كامبوني، القريبة من البحر. ويعطي هذا الطريق القوات الكينية تفوقاً للسيطرة على ميناء كيسمايو. وعبرت قوات كينية مدججة بالأسلحة الثقيلة بلدة طوبلي، في اليوم ذاته، متجهة نحو مدينة قوقاني الواقعة جنوباً. كما نفذت مقاتلات حربية غارة جوية عنيفة على منطقة شنبرالي، الواقعة بين مدينة بورغابو وبلدة غودا الساحليتين، بولاية جوبا السفلى. وقال الجيش الكيني إنه يستعد لشن هجوم على أفمادو في منطقة جوبا، حيث تتحصن حركة الشباب بعد تعزيز قواتها بمقاتلين من مناطق أخرى. وأشار إلى أن عشرة من مقاتلي حركة الشباب قتلوا في غارة جوية على بلدة جلب الصومالية الجنوبية، جرى تنفيذها في التاسع والعشرين من تشرين الأول أكتوبر. في المقابل، نقل مراسلون عن والي ولاية جلب من حركة الشباب عبد القادر حاجي أن القصف استهدف مخيم خيبر للنازحين الصوماليين، وأدى لسقوط عشرات القتلى والجرحى. وقال أحد شيوخ القبائل، في البلدة الواقعة على بعد 120 كيلومتراً جنوب ميناء كيسمايو، ان طائرتين كينيتين قصفتا مخيماً للنازحين، مما أدى لسقوط 12 قتيلا بينهم ستة أطفال وإصابة 52 آخرين. ومن جهته، أكد أحد السكان وقوع القصف، وقال إن الطائرتين قصفتا قاعدة للشباب ومخيما قريبا للنازحين. وتحرز القوات الكينية تقدماً على عدة جبهات باتجاه معاقل حركة الشباب، وتنسق في ذلك مع قوات الحكومة الصومالية والمليشيات المتحالفة معها في المنطقة. وكانت مقاتلات حربية كينية قد شنت غارات جوية عنيفة على مدينة كيسمايو الساحلية، في الثالث والعشرين من تشرين الأول أكتوبر، مستهدفة موقعين غير مأهولين بالسكان يقعان بين ميناء كيسمايو الدولي ومستودعات نفطية سابقة. ويُعد ذلك الهجوم الأول منذ سيطرة حركة الشباب على كيسمايو في آب أغسطس من العام 2008. وسبق أن شن الطيران الكيني غارات عنيفة على مدن وقرى واقعة في ولاية جوبا السفلى، بينها قوقاني وتابتو وراس كمبوني. وفي خطاب القاه في نيروبي، في 20 تشرين الأول أكتوبر 2011، أعلن الرئيس الكيني، مواي كيباكي، أن بلاده ستدافع عن "وحدة وسلامة" أراضيها "بكل الوسائل". وقال كيباكي: "سندافع عن وحدة وسلامة أراضينا بكل الوسائل اللازمة، لضمان السلام والاستقرار".وأضاف ان "قواتنا الأمنية بدأت عمليات داخل حدودنا وخارجها، ضد ناشطين يسعون إلى زعزعة استقرار بلدنا". وتابع كيباكي، قائلاً: "لكن أمن بلدنا لا تؤمنه قواتنا الأمنية وحدها. فلكل واحد منا دور يلعبه لضمان عدم استخدام أي واحد منا لتعريض أمننا واستقرارنا للخطر". تفاوت المواقف الصومالية من التوغل الكيني: في الصومال نفسه، تفاوتت المواقف الرسمية من الحملة الكينية ضد حركة الشباب. فمن ناحيته، استنكر الرئيس الصومالي شريف شيخ أحمد العملية العسكرية الكينية، ملمحاً إلى أنها شنت من دون موافقته. وقال شريف للصحافيين في مقديشو، في 24 تشرين الأول أكتوبر: إن "الحكومة والشعب الصوماليين لا يسمحان لقوات بدخول أراضيهما من دون موافقتهما المسبقة".وأضاف أن "كينيا وافقت على مساعدة القوات الصومالية من الناحية اللوجستية، لكننا لن نسمح مطلقاً بأي شيء يُمكن أن يغذي الشكوك بتدخل (خارجي)". وقال الرئيس الصومالي، في أول تعليق علني له بشأن التدخل الكيني: "نحذر من مغبة تحركات كهذه لأن التعاون الذي نقيمه مع كينيا يقضي بمساعدة الجيش الوطني الصومالي لكي تتمكن قواتنا من القيام بمهمتها". وقال بيان توضيحي أصدرته وزارة الإعلام الصومالية: إن الحكومة الصومالية وافقت فقط على التعاون مع كينيا في القيام بعملية عسكرية منسقة يقودها الجنود الصوماليون الذين تتولى كينيا تدريبهم. ويشير البيان في ذلك إلى اتفاق تعاون وقعه وزيرا دفاع البلدين، في 18 تشرين الاول أكتوبر في مقديشو، للقيام بعمليات عسكرية وأمنية مشتركة. ولم يشر الرئيس الصومالي إلى هذا الاتفاق خلال مؤتمره الصحافي. وقال "ليس هناك سوى أمر واحد نعلمه بخصوص القوات الكينية،هو عرضها لتدريب الجيش الوطني في الصومال". حتى الاطفال يتم تجنيدهم لتحويل البلاد الى ساحات حرب وقتل وفيما بدا تضارباً في المواقف الرسمية في مقديشو، نفى رئيس الوزراء الصومالي، عبد الولي محمد علي، أن تكون الحكومة الصومالية تعارض العمليات التي تنفذها القوات الكينية في المناطق الجنوبية ، قائلاً: "لا صحة عن ما تردد عبر وسائل الإعلام من أن الحكومة الصومالية ضد العمليات الكينية في الصومال". وأضاف: انه كما استعانت الحكومة الصومالية بقوات الاتحاد الأفريقي من أوغندا وبوروندي في محاربة مقاتلي الشباب في مقديشو، فإنها تستعين بالقوات الكينية في القتال ضد الشباب في المناطق الجنوبية، بموجب التفاهم الذي توصل إليه البلدان في الثامن عشر من تشرين الأول أكتوبر. وذكر رئيس الوزراء في مؤتمر صحفي عقده في مقديشو، في السابع والعشرين من تشرين الأول أكتوبر، أن الحكومة الصومالية ترحب بأية جهة "تشارك في تحرير الصومال من مقاتلي الشباب"، وذلك بمقتضى الاجتماع الأخير لمنظمة إيغاد في أديس أبابا، الذي أوصى بأن تتعاون الدول في تحقيق ذلك. ولا توجد لدى الصومال قوات نظامية يعتد بها، سواء لحفظ النظام العام، أو مواجهة الحركات المسلحة، أو حماية الحدود الدولية، أو تأمين المياه الإقليمية. وفي الفترة التالية لاستلام الرئيس شريف مقاليد السلطة، تدرب آلاف المجندين التابعين للحكومة في دول الإيغاد (جيبوتي - كينيا - أوغندة - السودان)، إلا أن العديد من هؤلاء الجنود لم يتمكنوا من الاستمرار في الخدمة، بسبب عدم حصولهم على مرتباتهم لشهور عديدة. وفي الأول من أيار مايو 2010، ذكرت وكالة أسوشيتد برس أن مئات من الجنود الصوماليين، الذين تدربوا بتمويل أميركي، تركوا الجيش، لأن أيا منهم لم يتلق راتبه الشهري، البالغ 100 دولار.كما أن بعضهم التحق بمقاتلين مرتبطين بتنظيم القاعدة. وقد طالب الرئيس شريف، في خطابه بالأممالمتحدة، في 25 أيلول سبتمبر 2010، بتعزيز قوات الاتحاد الإفريقي العاملة في بلاده، ووضع إستراتيجية عسكرية ثانية، تقوم بتنفيذها الأممالمتحدة، وتتضمن إرسال قوات أممية إلى الصومال. وبموازاة نداءاته إلى مجلس الأمن الدولي، طلب الرئيس شريف، خلال اجتماعه بالأمين العام للجامعة العربية والمندوبين الدائمين في تموز يوليو 2010 ، بدعم عربي مالي، قدره عشرة ملايين دولار شهرياً، من أجل تسيير العمل الحكومي، ودفع مرتبات أجهزة الأمن.وقد ذكر شريف هذا الأمر خلال كلمته في القمة العربية الاستثنائية، التي عقدت في مدينة سرت الليبية، في التاسع من تشرين الأول أكتوبر 2010. وفي ضوء تعثر فرص بناء أجهزة أمن يمكن الارتكاز إليها، ولو في حدود دنيا، اتخذت حكومة مقديشو قراراً قضى بالتعاقد مع شركة أميركية متخصصة في توفير الحماية الأمنية، هي شركة (Corporate Security Solutions, Inc. (CSS ). وبموجب الاتفاق المبرم، تقوم الشركة، ومقرها ولاية ميشيغان، بتوفير الأمن الشخصي للمسؤولين الحكوميين.وكذلك أمن القوافل الحكومية، التي تتنقل ما بين المقرات الحكومية داخل مقديشو،إضافة إلى تقديم خدمات تدريب و استشارات أمنية. وهناك أيضاً مقاولون أميركيون يعملون في الصومال، يديرون تمويناً لجنود قوة حفظ السلام الأفريقية. تضارب المواقف الدولية من التوغل الكيني: وقد تضاربت المواقف الدولية والإقليمية من التوغل العسكري الكيني في الصومال. وقالت منظمة الإيغاد (الهيئة الحكومية للتنمية)، في الثاني والعشرين من تشرين الأول أكتوبر، انها ترحب بهذا التوغل، وتدعم إقامة تعاون بين الحكومة الصومالية الانتقالية والحكومة الكينية لإنجاح العملية العسكرية وتحقيق أهدافها. وتضم الإيغاد في عضويتها ستاً من دول شرق أفريقيا، هي جيبوتي وإثيوبيا وكينيا والصومال والسودان وأوغندا. وفي وقت لاحق، أعلنت كينيا عن قمة إقليمية قادمة لشرق أفريقيا، ستعقد في منتصف تشرين الثاني نوفمبر برعاية إيغاد. وستتخذ هذه القمة قراراً في شأن تعزيز قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال بآلاف العناصر. وكان الاتحاد الأفريقي قد اتخذ قراراً، بعد الإطاحة بنظام المحاكم الإسلامية عام 2006، قضى بإرسال 8000 جندي إلى الصومال. وعلى الرغم من ذلك، فإن أية حكومة أفريقية لم ترسل قوات، ما عدا أوغندا وبروندي. وقد أعلنت كل من جيبوتي ونيجيريا وغانا وسيراليون عزمها إرسال قوات للصومال، إلا أن ذلك لم يحدث. وأرسلت أوغندا وبروندي مجتمعتين بضعة آلاف من الجنود ينتشرون في مطار مقديشو ومينائها الدولي، وبعض الطرق والمواقع الحيوية في العاصمة، والقصر الرئاسي، الذي يمثل مقر الرئيس ورئيس الوزراء وغالبية أعضاء الحكومة. وقالت أوغندا إنها مستعدة لإرسال قوة إضافية من جنود حفظ السلام قوامها 2000 جندي. ويشكل جنودها حالياً غالبية القوة الأفريقية في الصومال، البالغ قوامها 6100 جندي، بينما يتولى جنود من بوروندي حماية قصر الرئاسة والمطار. وفي الثلاثين من أيلول سبتمبر 2011، دعا مجلس الأمن الدولي الاتحاد الأفريقي لزيادة قواته في الصومال، لتبلغ 12 ألف جندي. ولكن ليس واضحاً ما إذا كان الاتحاد قادراً على تلبية هذا الطلب، مادام لم يستطع حتى اليوم الوصول بقواته إلى ثمانية آلاف، كما كان مقرراً في الأصل. على صعيد المواقف الغربية من التوغل الكيني في الصومال، قال ناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية والأوروبية الفرنسية، في العشرين من تشرين الأول أكتوبر: "نتمنى أن تساهم العملية الكينية، التي تتم قيادتها بالاتصال وبالتشاور الوثيق مع الحكومة الفيدرالية الانتقالية ضد انتهاكات ميليشيات الشباب، في استعادة الصومال بأقصى سرعة للأمن والاستقرار، وفقاً لأهداف خريطة الطريق التي أُقِرت في مقديشو في 6 أيلول سبتمبر الماضي". وبعد أربعة ايام على هذا التصريح، كشفت كينيا أن بوارج حربية فرنسية شنت هجمات على مواقع لحركة الشباب، في أول تدخل عسكري غربي في الصومال منذ نحو عقدين من الزمن. وقال الجيش الكيني في بيان، ان البحرية الفرنسية قصفت بلدة كوداي الصومالية. في المقابل، نفت وزارة الخارجية الأميركية أن يكون لواشنطن أي دور في مساعدة كينيا في العمليات العسكرية التي تشنها بالصومال. وقال بيان للخارجية الأميركية، صدر في 25 تشرين الأول أكتوبر، إن واشنطن ترتبط بشراكة طويلة مع كينيا في "مواجهة الإرهاب بشرق أفريقيا"، وهي تقوم بتقديم المساعدة لنيروبي "لتنمية قدراتها" بمواجهة التهديدات الإرهابية المسلحة.بيد أن البيان شدد على أن الولاياتالمتحدة لا تلعب أي دور في دعم العمليات العسكرية التي يشنها الجيش الكيني في الصومال حالياً. كذلك، نفى البيت الأبيض، في التاسع والعشرين من تشرين أول اكتوبر ما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست"، بشأن قيام طائرات أميركية مسيّرة بعمليات حربية في الصومال، انطلاقاً من قاعدة في إثيوبيا. وأقر المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني، بوجود طائرات مسيّرة في إثيوبيا، لكنه قال إنها غير مسلحة وتقوم بعمليات استطلاعية في الصومال في إطار الشراكة الأميركية مع الحكومة الصومالية "لتشجيع الاستقرار في القرن الأفريقي". مناطق زراعية وسياحية جميلة لم يتم استغلالها اقتصاديا .. والسكان بين جائع ومقاتل !