في بداية الأمر لم يهدني تفكيري لتفسير ظاهرتين تحدثان على طرقنا، الأولى مشاهدتي لرتل السيارات المندفع أمامي وقد هبط عليه فجأة سكون وانضباطٌ والتزامٌ مروريّ، لكنه مؤقّت سرعان ما يختفي ويعود الركب إلى سابق عهده مرة أخرى، وقد لاحظت ارتباط هذه الظاهرة المروريّة الصحية بوجود عربة تقف دائمًا على جانب الطريق عرفت فيما بعد أنها مركبة "ساهر". والثانية حينما أطالع فجأة السيارات القادمة عكس اتجاهي تضيء أنوارها الأمامية في وجهي بطريقة متقطعة بينما التي في نفس اتجاهي تتزامن معها بتراقص أضوائها الصفراء الخلفية ليتبيّن لي أن هذه رسالة خاصة لتحذير السائقين الآخرين المتجاوزين للسرعة المحددة بالطريق بوجود "ساهر" متربصًا في انتظارهم. من الإحصائيات وممّا نراه في أقسام الطوارىء بالمستشفيات فإن حوادث المرور تتسبّب في حصد وشلّ وكسر الآلاف، وأصبحت رؤية شوارعنا في ثوبٍ ومظهرٍ حضاري حلمًا وأملاً بعيد المنال، ومن الإحصائيات أيضا أن تطبيق "ساهر" أحدث انخفاضا في نسبة حوادث الطرق، فالأجدر بنا إذًا أن نحترم ونتعاون مع هذه الخطوة التي ما قُصد بها إلا منفعتنا وسعادتنا. منذ شهر كنت في مؤتمر في بريطانيا وعلمت أن أيّ سائق يُضبط معه جهاز كشف رادار قياس سرعة السيارة المثبّت من قِبل إدارة المرور على الطرقات هناك يتم تغريمه بما يعادل اثني عشر ألف ريال، فماذا فعلنا نحن عندنا مع "ساهر"؟ قمنا بتغطية عدسة التصوير بالشماغ، أوقدنا النار في عامود آلة التصوير، عبثنا بلوحة أرقام السيارات، وأصبحت عربات "ساهر" المراقبة للطرق مركبات مدرّعة لتقاوم محاولة تحطيمها من السائقين الغاضبين. تجاوز السرعة المحددة على الطرق مخالفةٌ لا ريب فيها، لكن أيضًا ظاهرة قيام بعض السائقين بتحذير الآخرين من وجود عربة "ساهر" أمامهم - يغلبهم الظنّ أنّ هذه أخوّة ورجولة ومروءة - هو قطعًا تعاون على الإثم والعدوان وليس تعاونًا على البر والتقوى، ولم يقدم هؤلاء السائقون لإخوانهم النصيحة المطلوبة منهم شرعاً، على خلاف ذلك نصحوهم بتهدئة السرعة ليعودوا بعدها سيرتهم الأولى، وشجعوهم على التحايل على الأنظمة والقوانين. "ساهر" أصاب السائقين المتجاوزين للسرعة المقرّرة في جيوبهم وهذا في حدّ ذاته مؤلم لكنه ليس بالكافي ولا بالرادع، وفي رأيى أن "ساهر" لم يحلّ مشكلة تجاوز السرعات والتي تصل أحياناً لحدّ الجنون بل قد يكون قد شجّعها وأشبع رغبات نفوس الكثيرين في الخداع والإلتفاف حولها، فاتباع تعاليم المرور والالتزام بها يبدأ من المنزل والمدرسة حينما يصبح الطفل مدركاً، ويكون الحصول على رخصة قيادة السيارة عبر مقرّر وامتحان نظري وعملي مفصّل، ولا أنصح بأن تقبع مركبة "ساهر" في مكان ثابت يعلمه السائقون بل تتنقل في أماكن مختلفة من الطريق الواحد، ولا يكفي التقاط رقم السيارة المسرعة بل لا بد من إخطار دورية المرور لتتعامل مع السائق المخالف. نحن لا تنقصنا الطرق الفسيحة ولا السيارات الفارهة، لكنّنا كمواطنين ومسؤولين ومربّين أمام تحدّي حقيقي طالت مواجهته ومجابهته وحلّه في أيدينا أن نطيع الأنظمة ونحترم القواعد وكلّها لم توضع وتسنّ إلاّ من أجلنا ولمصلحتنا. * وكيل كلية الطب للشؤون السريرية – جامعة الملك خالد