عن أي قمة عربية تتحدث دمشق، وهي التي تتوعد العرب بالزلازل والحرائق، وتعتدي على السفارات، وتقتل، دون شفقة، كلّ من يعترض خط الدولة وشبيحتها؟ عقدُ قمة يحتاج إلى أدوات ومبررات تصعد بالأوضاع للحلول الموضوعية والمقبولة، وقد جربت الجامعة العربية، كهيئة تمثل كل دول المنطقة، الدبلوماسية الهادئة والمرنة، وأعطت حكومة دمشق الفرص المفتوحة بأن تغير من مناوراتها واعتمادها رؤية الأشياء بعكس طبيعتها، وكان المفترض أنه بعد قبولها مشروع الحل العربي أن تسعى لتطبيقه، لا أن تجعله استهتاراً بالمواقف العربية، لتكون النتيجة القرار الشجاع الذي فاجأ سلطة سورية وأربكها، وتركها عارية أمام العالم.. الخيارات بدأت تضيق حتى روسيا والصين بدأتا تنعطفان عن مواقفهما السابقة، ثم إن الجامعة العربية تريد الآن نقل قضية حماية الشعب السوري للأمم المتحدة، وهنا ستدول القضية بدلاً من تعريبها بعد أن فوتت سورية الفرصة لاحترام الموقف العربي بدلاً من الاستهتار به بعد أن تكلم سفيرها في الجامعة بكلمات خرجت عن اللغة الدبلوماسية وأعرافها.. المزاعم السورية عن وجود عصابات مسلحة مدعومة من الخارج، لايمكن تصديقها، فالشعب يتظاهر بدوافع القهر الذي يعانيه، وآلات التصوير ووسائل النقل المباشر فضحت الواقع وعرّت الدولة من ذرائعها.. هل يتذكر الرئيس بشار الأسد، كيف نعتَ الزعماء العرب ومنهم من كان في عمر أبيه ب«أشباه الرجال»؟! والتي لم تكن زلة لسان، كما حاول تصحيح موقفه، والدافع ربما اعتقاده، أن سورية هي حجر الزاوية في النظام العربي بمعنى أن أي قرار يجب أن تصادق عليه قبل العواصم العربية الأخرى، وهذا التطاول طبع صورة الأسد بأنه لا يزن أقواله ويحترم كرسي رئاسته الذي هو مسؤولية أدبية وأخلاقية القمة العربية لن تنعقد، لزوال مبرراتها، وإغلاق كل الأبواب أمامها، فالقناعة العربية العامة شعبياً ورسمياً، هي أن إصلاح النظام من داخله أمر مستحيل، ولا يجوز أن يقف العرب مع القمع وسفك الدماء لشعب أعزل، ومجاملة الدولة على حسابه، وربما لم يدر في ذهن صانعي القرار بسورية أن تذهب الدول العربية إلى الحدود القصوى باتخاذ القرار التاريخي، والمفاجئ لها، ما شكل صدمة أطاحت بكل الحلول المتاحة.. لنفترض أن القمة العربية انعقدت، فما هي القرارات التي ستبادر باتخاذها سورية، هل ستسحب قواتها من المدن والقرى، وإخراج السجناء، وقبول كلّ المطالب سواء من الجامعة أو المعارضة، أليس المطلوب تنفيذ هذه العمليات قبل أن تطلب هذا الاجتماع حتى تكون الظروف مهيأة لذلك؟ سورية لن تلتزم بذلك، وبالتالي فمحاولة قلب الطاولة أمام العرب، فات وقتها لأن المهلة ذاتها انتهت وأُغلقت كل أبواب المحاولات..