هذا البيت الشارد يعبر عن الأصالة، ويُستشهد به للدلالة على تأثير الأصل في الفرع، واستمرار عطاء الأصل ورسوخه عطاء متواصلا يتوارثه الأبناء والاحفاد عن الاجداد فالشجرة الطيبة حين يجذ جزء منها تنمو الفروع بحواف القطع لتعيد للشجرة نموها وعطاءها، والبذرة الطيبة لا تنبت إلا نبتاً طيباً يؤتي الثمار التي كان الأصل يؤتيها من خير ونفع، وهو قول يعبَّر به في الثناء على الأفراد الذين هم أكثر نفعاً وأحسن خلقا واستفامة في المجتمع: على مقطع العود تنشا النوامي ولا تختلف حبةٍ عن ذراها هذا ما أثر عن شاعر بدوي يمجد رجلاً حفظ مجد وسيرة آبائه وأجداده في حياتهم الاجتماعية وما قدموه لمجتمعهم من خير ونفع وعزة ومجد. والشاعر العربي يقول: لعمرك ما الرزية فقد مال ولا فرس يموت ولا بعير ولكن الرزية فقد شهم يموت لموته خلق كثير ونحن اليوم نواجه فقداً كبيراً، ونحيا حزنا عميقاً لا يعز ينافيه غير سيرة نقية، وعطاء متواصل في كل مجالات الحياة التي شهدت بلادنا تطورها وتقدمها وتلاحم أبنائها، حين وفق الله لها من يرد لها أمنها واستقرارها وانتعاش اقتصادها وحسن إدارتها والتطلع إلى مستقبل يعزز هذا التوجه ويحافظ على المكتسبات التي تميزت بها بلادنا عن سائر البلاد الأخرى. لسنا وحدنا من يواجه مشاعر الحزن وإنما هي شعوب كثيرة شملها عطاء صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. سلطان الخير نصير الثقافة وسفير الإنسانية، متعدد المواهب الإدارية والسياسية، وصاحب الرؤى المعززة لكل مشروع فيه خير المجموع. نعم ودعت المملكة العربية السعودية والمجتمع الإنساني ابنا باراً يغيب جسداً ويحضر ذكرى مجيدة تحدث عنها أعماله الفريدة التي لم تكن تنشد غير الخير العميم والنفع المستديم، فهي تقارب بين المجتمعات وتعمق قنوات التواصل بين الشعوب، يمتد هذا النفع من الحاضر إلى المستقبل ويغذيهما بنتاج الماضي. ولئن كان الفقد مؤلماً فإن إشراقة تاريخ الفقيد تظل نبراساً ومعلماً خالدين، وقدوة تحتذى تزيدنا يقينا بأن سموه ودع دنيا غرس فيها من أعمال الخير ما ينتظر قدومه لأخرى خير من دنيا، وجوار خير من جوارنا: جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري ونبشر الذين يزعم الشاعر العربي أنهم يموتون لفقد الشهم بأن شهمنا هنا من شجرة طيبة وأنه: على مقطع العود تنشا النوامي ولا تختلف حبةٍ عن ذراها إن سموه من شجرة طيبة، دائبة العطاء، تواصل فروعها عطاءها، كما يطمئننا الشاعر بتواصل الحنو والرعاية والعطاء، شجرة دائبة الظلال والعطاء لن تخلف فروعها ما عهد عنها من عطاء. إن بعد نظر سموه رحمه الله يتجلى في كثير من المشروعات التي دعمها وكان نفعها عميماً ولعلي أتحدث هنا عن تجربة شهدتُها وأدركتُ أبعادها ومردودها على الثقافة وخدمة الدارسين، فعندما تقدمت اللجنة العلمية بدار المفردات للنشر إلى سموه عن مشروعها إصدار موسوعة عن الأدب السعودي بادر سموه مؤيداً ومعززاً وداعماً للمشروع الذي يقدم الأدب والحركة الأدبية في المملكة منذ التأسيس حتى عام 1419ه، مائة عام من التقدم والتطور وفق مراحل نمو البلاد وتقدمها، فصدرت الموسوعة في عشرة مجلدات يشتمل كل مجلد منها على جنس أدبي دراسات ونماذج ونقداً حتى عاد الباحث في هذا الأدب لا يشقى في البحث عنه في مظان كتب كثيرة لم تعتمد الشمولية في الطرح ولا تقديم دراسات فنية وتأريخية، موسوعة طرحت الأدب السعودي كله على بساط أنيق ومريح لأن الاعداد تم عن طريق لجنة أكاديمية متخصصة من أساتذة أعرق الجامعات وأكثرها تخصصاً في هذا المجال. ثم عزز سموه ذلك بمواصلة الدعم المعنوي والمادي لترجمة الموسوعة إلى اللغة الانجليزية فاختارت دار المفردات مؤسسة بروتا الأمريكية التي تشرف عليها الباحثة العربية القديرة سلمى الجيوسي لترجمة الموسوعة إلى اللغة الإنجليزية، ثم اختارت دار المفردات دار نشر انكليزية لنشر الترجمة وتوزيعها على أنحاء العالم بواسطة دور توزيع عالمية مثل الأمزون ونحوها، وقد تلقت دار المفردات فيما بعد استئذان دور نشر عالمية للاقتباس من مادة الترجمة لتضمينها موسوعات وطنية تصدر هناك. واعترافاً بهذا النجاح سعت مؤسسات أخرى لترجمة الموسوعة إلى لغات أخرى كاليابانية والفرنسية والروسية وقد صدرت هذه الترجمات محققة نصراً جديداً لبعد الرؤية التي وجدها المشروع من تعزيز ودعم صاحب السمو الملكي رحمه الله. إن هذا المشروع الوطني لم يكن ليرى النور لولا وقوف سموه رحمه الله إلى تعزيزه ودعمه فأصبح يخدم عديداً من المؤسسات والدارسين داخل البلاد وخارجها. إن مساهمات سموه لا يمكن حصرها ولا تحديد نفعها لشموليتها وتعدد منافعها. رحم الله الفقيد الغالي وأسكنه فسيح جناته وألهم الوطن وأبنائه والإنسانية أجمع الصبر والسلوان، وإنا لعلى يقين باستمرار العطاء من أبنائه وأحفاده وأرومته السباقة دوماً إلى عمل الخير، حفظ الله عاهل البلاد خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وألهمه الصبر والسلوان فقد أخاً عزيزاً وسنداً قويا والخير في أخوته وأبنائه أحفاد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله فقد أسس كيانا شامخاً وعهد به إلى أبناء وأحفاد بررة وفقهم الله إلى ما فيه الخير.