انتصار فلسطيني دبلوماسي في منظمة اليونسكو، هذا الانتصار قد لا يغير شيئاً على أرض الواقع على المدى القصير، لكنه بالتأكيد سيكون مؤثراً في إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة على المدى البعيد. هذا الانتصار يتضمن الكثير من المؤشرات، ويستدعي العديد من الملاحظات فما حصل في اليونسكو يوم الاثنين (5 ذي الحجة 1432ه) الموافق (1 نوفمبر 2011) هو قرار تاريخي، فقد أصبحت فلسطين عضواً كامل العضوية في منظمة اليونسكو وبأغلبية (107) أصوات، ولم يصوت ب(لا) غير (14) دولة في مقدمتها أمريكا. أما المترددون الذين يقفون في المنطقة الرمادية ولم يصوتوا فعددهم (52) دولة. وهذا مؤشر على أن عدد الدول التي لا تملك رؤية واضحة ليس بالعدد القليل، إما بسبب ضغوط فريق إسرائيلي، أو أن الرسالة الفلسطينية لم تصلهم بوضوح. ومن الملاحظات أن منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم، هذه المنظمة الإنسانية التي تخدم العالم في إطار من قيم التعايش والتسامح، والتكامل، والحوار الثقافي، والمعايير الإنسانية، هذه المنظمة هي ساحة للسلام والثقافة وإعلاء حقوق الإنسان، ومع ذلك فإن الدول التي تنادي بهذه الحقوق وتعلي من شأن تلك القيم بل تجعلها من أبرز شعاراتها الرسمية، هي الدول التي قالت (لا) لعضوية فلسطين، وكأن إنسان فلسطين لا ينتمي إلى هذا الكوكب. وهذا الموقف يؤكد حقيقة معروفة وهي أنه عندما تحضر إسرائيل يغيب القرار المستقل لبعض الدول، وهي الدول التي رفضت قرار اليونسكو وأعلنت وقف الدعم المالي لها. إن قطع الدعم المالي سلوك غير حضاري ومناف لمبادئ الديموقراطية، وميثاق اليونسكو، والأهداف العلمية والتربوية التي تخدم الإنسان في كل مكان. وهنا أتوقف واقرأ ما قاله سفير المملكة العربية السعودية الدكتور زياد الدريس في كلمته بهذه المناسبة حين أشار إلى ولادة يونسكو جديدة ملامحها قوة العدالة بعد أن هيمنت عدالة القوة لعقود.. كلمات د. زياد، (وهو يحسن اختيار الكلمات) تغريني بالتفاؤل، فقرار اليونسكو خطوة وإن جاءت متأخرة، إلا أنها خطوة مهمة، وديموقراطية سيكون لها تأثير إيجابي في الطريق نحو الدولة الفلسطينية. وأشارك صديقنا الدكتور الدريس في تعجبه من دول اعترضت على قرار اليونسكو وهي تثني على الربيع العربي، لكن حين يتعلق الأمر بالإنسان الفلسطيني فإنه حسب رأي هذه الدول المعترضة يجب أن لا ينظم لأي مجموعة إنسانية أو ثقافية إلا بشروط إسرائيل وموافقة إسرائيل. أي ان الإنسان الفلسطيني لن يحصل على حقوقه إلا عبر بوابة إسرائيل التي تسميها إسرائيل المفاوضات المباشرة بهدف تقديم المزيد من التنازلات الفلسطينية. إن إسرائيل التي تعرقل مفاوضات السلام من خلال بناء المستوطنات تجد في خطوة ثقافة إنسانية عقبة في طريق السلام ومصدر تهديد لأمن إسرائيل، بل إن سفيرها وصف القرار بأنه مأساة لليونسكو، وأنه قرار متسرع للاعتراف بدولة ليس لها وجود. ذلك ما قاله سفير إسرائيل وهو يعبر عن موقف غير جديد. موقف جامد خارج الزمن، موقف يعبر عن فكر استعماري، وسياسة احتلال لا تريد إسرائيل ان تتخلى عنها، أقدم التهنئة لفلسطين (قبل اليونسكو، مع الاعتذار للدكتور زياد الدريس). وأختم بمقولة جميلة قالها وزير الخارجية الفلسطيني في ختام كلمته مشيراً إلى الدول التي لم تصوت ب(نعم)، حيث قال: «أما الدول التي صوتت ضد فلسطين، فإن فلسطين لن تحمل أية ضغينة، فنحن مع قبولنا عضواً نرغب في فتح صفحة جديدة وسنسمو فوق ذلك ونتمنى أن تعطونا الفرصة لصالح الإنسانية جميعاً».