هل مطلوبٌ من المملكة التفاهم مع إيران حول موسم حج هذا العام؟ سمو ولي العهد، وزير الداخلية أجاب: «لا داعي للتفاهم» والسؤال أصلاً ليس موضوعياً لأسباب عديدة، أن المملكة دولة مستقلة، ويؤمها حجاج من جميع أنحاء العالم، فهل سنتشاور مع كل جهة لنفس الأسباب ولماذا؟ إيران ليست أكبر وأهم الدول الإسلامية، وعملية أن تثير زوابع بتظاهر حجاجها ضد أمريكا باسم الولاء والبراء، فعليها أن تقوم بذلك في قم وكربلاء والنجف التي تخص طائفتها، أما مكةالمكرمة والمدينة المنورة فليستا ميداناً سياسياً لتصفية الحسابات، وإشعار الحجاج بالفوضى، ثم إن الحرمين لا يخصان فئة أو دولة، عندما يتوجه لهما الحجاج والمعتمرون والزوار طيلة العام، ولا تملك طائفة أو مذهب أن يقرر ما يريد تبعاً لأهداف سياسية، وإلا فكل العالم الإسلامي تحاصره الخلافات البينية أو مع القوى الخارجية، فهل نفتح الباب كذلك أسوة بالرغبة الإيرانية؟ الأمر الآخر أن المملكة، وبتعاون مع دول العالم الإسلامي حددت الحجاج حسب تعداد السكان، ولم تمنع من يصلون إلى المدينتين الشريفتين لخلاف سياسي أو مذهبي؛ لأن الحج ركن من أركان الإسلام وفرض على كل مسلم قادر، ثم إن المملكة عندما تجند قواها البشرية والأمنية والصحية، وتعلن ما يشبه حالة الطوارئ في خدمة الحجيج وتأمين سلامتهم فإنها ترى ذلك واجباً وخدمة تعتز بها، ويكفي أن ما صُرف على الحرمين والمدينتين المقدستين يفوق ميزانيات دول، ولم يأت العمل بأسلوب الدعاية أو العائد المادي، بل تشرفت أن تكون هي من يقوم بهذا الواجب برضا تام معتبرة ذلك جزءاً من أهم مسؤولياتها.. العمل السياسي والتظاهرات لم نرها تسود في أي مكان يقصده المتدينون من الأديان التوحيدية أو غيرها، لأن قدسية المكان لها احترامها مهما تعددت الأعراق، وسادت الخلافات، بل المحزن أن من يشهرون الشهادتين، هم من يجسد الخلافات لأمور لم يعشها الإسلام في بداياته، ولم تدخل تشريعاته، بل جاءت نتيجة صراعات فكرية ومذهبية وطائفية، وكان من الأماني التي استحالت أن يكون الحرمان موقع المصالحات، ووحدة الدين حتى في ظل التباينات بين المسلمين.. مشهد الحج ومراسمه التي أصبح يشهدها كل العالم كمناسبة أثارت الأسئلة بين الدول غير الإسلامية، وكيف يتوحد الملبس والدعاء والصلوات وغيرها، وهو ما يعد دعاية عظيمة لهذا الدين الحنيف الذي يمثل الوسطية والعدالة والوحدة عند من لا يتبعونه.. وسائل الاتصال الحديثة يمكن استغلالها في شرحٍ بكل لغات العالم عن أهداف الإسلام وقيمه، إذ لو جند العالم الإسلامي إمكاناته الإعلامية ضمن خطط مبرمجة، واتفق على منظومة عمل تعطي الحج قيمته الروحية والإنسانية عندما تتلاقى كل الأجناس والقوميات والمذاهب في مكان واحد، ربما يصل عددها إلى ثلاثة ملايين إنسان، وهو مايعدّ مظهراً مبهراً لمن لا يفهم هذا الركن الإسلامي وقيمته الروحية، لجاء ذلك في خدمة عقيدتنا السمحة.. ومثلما يحتاج العالم الإسلامي للتعاون في الأطر الاقتصادية والبحث العلمي والعلوم المعاصرة، فهو يحتاج أيضاً إلى وحدة الإيمان ونشرها، لأنها مسؤوليتنا الأخلاقية والأدبية..