يوسف الكويليت - نقلا عن "الرياض" السعودية على مدار التاريخ لم يحدث أن تحوّل الحج إلى مظاهرات ورفع صور وشعارات، تنقسم بين أحزاب وطوائف ليتحول إلى منبر سياسي، وفي عصورنا القريبة خلال نصف القرن الماضي، وفي زخم الانقلابات والانقسامات، والرفض للنظام الفلاني، وعقد التحالف مع العلاني، لم يشهد الحج انتقال شعارات دول عدم الانحياز أو الأحزاب والتجمعات العربية والإسلامية إليه، لأن لهذه الشعيرة قدسيتها وحيادها عن الصراعات والخلافات، وطالما يوجد هناك من حاول توقيت حج هذا العام مع الاعتداء على حدودنا مع اليمن بشكل متزامن ترافقه حمى من التصريحات والتلفيقات، والتشكيك بدور المملكة ، فهي حالة عصابية لما تشهده تلك الدول التي تريد نقل معاركها وخلافاتها الداخلية خارج حدودها.. نحن نعرف أنه في كل أديان العالم وأتباع الديانات الأخرى، يسود السلام هذه المناسبات وذلك لتعلّق الإنسان بروحانياته ، واعتبار تلك الأماكن رمزاً لعلاقات بين خالق ومخلوق، لكن ما يقال عن إعلان البراء من المشركين، أو الأعداء السياسيين فهو أمر غير منطقي وغير مقبول ، ولا يمكن أن يحدث في مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة، وإلا أُعطي لكل دولة إسلامية لها أعداد كبيرة من الحجاج وتختلف أو تتناقض سياساتها ومصالحها مع دولة غير إسلامية الحقُّ في إعلان هذا البراء بالتظاهرات ليصبح الحج بدلاً من أن يكون ركناً إسلامياً، فوضى سياسية ومنبراً لتصعيد الأزمات، وإذا كان هذا الأمر يراه بعض المسلمين جزءاً من واجب، فلماذا لا يمارسون هذه العادات أو القواعد في مناسباتهم الدينية، وفي مواقع مثل النجف وكربلاء، وقم، إذا كانت السياسة تختلط بالدين؟ الدين الإسلامي رسالة لكل العالم، ولم يأت كمنظمة سياسية، وكل من يفهم أبجديات دعوته، وأركانه وشرائعه يدرك منطلق هذه الرسالة وسماحتها ونبذها للعنصرية أو الطبقية الدينية، ولعل مشاهد الحج في مثل هذا اليوم والذي يتساوى فيه جميع المسلمين في الملبس والتوجه للخالق، والشعور العام الرابط بين هذه المجاميع الكبيرة، والذي يصبغ على تلك المشاهد روحانية عظيمة، هي ما تجعل غير المسلم ينبهر ببساطة الإسلام وسماحته الإنسانية، ولعل نقل صورة هذه المشاعر الروحانية التي ساعدت على نشرها قنوات الفضاء والوسائل التقنية الأخرى ولكل قارات العالم يعطي انطباعاً بأن الإسلام ليس ديناً للأقلية، أو النوع أو الطبقة، بل هو لكل من ينطق بالشهادتين ويعمل بواجباته وأركانه.. لقد عملت المملكة كل ما تراه واجبها في المنشآت وتكاليف الصحة وتوفير الغذاء والمياه، وتسهيل المهمات الصعبة لعناصر تختلف ثقافاتهم ووعيهم وعاداتهم، ويأتي على أهم مسؤولياتها صيانة أمن هذه المجاميع الكبيرة، رافضة أي تصعيد يريد استغلال الحج لمآرب لا تستقيم مع روحانية وقدسية المكان.. ومثلما سيّرنا إمكاناتنا المادية والبشرية، وقمنا بمشاريع تعجز عنها ميزانيات دول عديدة، فإنه لا يوجد من يستطيع أن يزايد على سلامة مواقفنا ورعايتنا للمقدسات الإسلامية والتي نعتبرها واجباً نعتز به ونقدمه على كل الواجبات الأخرى.