في المحافل الدولية رجال كتبوا التاريخ في ممرات السياسة ودهاليز صنع القرار، تتذكرهم أجيال وتخلد ذكراهم وثائق وإضبارات الماضي. في وفاة الامير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله - يكون العالم قد فقد احد الرجال المهمين في الشرق الادنى من الذين تمكنوا من التعايش ومعايشة الكثير من الوقائع السياسية بكل ما تحملها المنطقة من حروب عدة ومتغيرات سياسية ما انفكت تعج بها جغرافيا الشرق الاوسط. كان حضور صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - في المناسبات السياسية يمنحها بعداً واسعاً لشخصه ومكانته وتجربته السياسية. فقد كان لقدر المملكة ان تكون في عين الحدث ولقادتها في ذلك الرأي المهم. من أهم تلك المناسبات حضوره لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة على مدى ثلاثة عقود عام 1985م وَ 1995م وَ 2005م ، على رأس وفد المملكة. الأمير سلطان بن عبدالعزيز علامة بارزة في اجتماعات المنظمة العالمية فكان -رحمه الله- يلقي كلمة المملكة التي تحظى بمصداقية ومحبة صادقة فهي دولة قائمة على الخير والعطاء ولم تستعدي احدا ولم تنجرف في تحزبات سياسية لهذا الطرف او ذاك ، فحظيت باحترام العالم. خطابات المملكة حظيت باهتمام كبير واحترام بالغ كان رحمه الله حاضراً في أهم اجتماعات المنظمة حيث كان قد ألقى كلمة المملكة في الدورة الأربعين للجمعية العامة للامم المتحدة وذلك في اليوم الاول من اكتوبر عام 1985م حيث تطرقت الكلمة إلى عدد من المحاور الهامة على المستوى الدولي وكان العنوان البارز فيها السلام الذي هو رسالة المملكة وشعارها قولاً وفعلاً ، فقد أشار الامير سلطان في كلمة المملكة الى دعم منظمة الاممالمتحدة ووكالاتها المتخصصة باعتبارها تشكل اطاراً صالحاً للتعاون بين الأمم والشعوب. الامير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- يلقي كلمة المملكة امام الجمعية العامة عام 1985 وجسدت كلمة المملكة في تلك المناسبة الحالة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط وربط الأمير سلطان استقرار المنطقة بحل القضية الرئيسية والملف الصعب والشائك في المنطقة العربية وهي القضية الفلسطينية ، كما تطرقت الكلمة إلى قضايا حساسة ومصيرية وأبرزها ما كانت تعيشه في الحرب العراقية الايرانية التي استنزفت المنطقة .. إضافة إلى العدوان الاسرائيلي على تونس والوضع الاقتصادي الدولي. بعد عقد من الزمن وفي الدورة الخمسين عام 1995م ألقى سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز كلمة المملكة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمهم الله جميعاً- وذلك في الاحتفال التذكاري بمرور خمسين عاماً على قيام الاممالمتحدة كانت كلمة المملكة متزامنة بما تحمله المنطقة العربية الملتهبة من استحقاقات العنف والإرهاب والسياسة البترولية والملف الحاضر دائماً في السلام في الشرق الأوسط. فجاءت الكلمة لتنبذ الإرهاب الذي تأّذت منه المملكة كباقي دول العالم فحاربته فكراً وسلاحاً ونجحت في ذلك باحترافية مشهودٍ لها عالمياً وجاءت الكلمة كذلك لتلقي بظلالها على ما يتعرض له المسلمون في البوسنة والهرسك من العدوان الصربي فالمملكة ساهمت في إغاثة الشعب البوسني في محنة الحرب ولم تأل جهداً في استغلال ثقلها السياسي في المحافل الدولية لإيقاف آلة القتل هناك في أوروبا الشرقية فالمملكة تستشعر دورها كقبلة المسلمين وقائد للأمة الإسلامية. ولم تأت كلمة الأمير سلطان سياسية بحتة فطرحت المملكة سياستها في إدارة السلعة الأهم عالمياً النفط حيث جعلت الرياض التوازن سياسة إستراتيجية لها في التعامل الاقتصادي بهذه السلعة الجوهرية. الامير سلطان - رحمه الله - يلقي كلمة المملكة في الجمعية العامة عام 2005 في الاممالمتحدة كان ولي العهد الأمير سلطان - رحمه الله- حاضراً بعد عقد آخر في هذا المحفل الدولي وذلك عام 2005 م حين رأس وفد المملكة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للقمة التي اعتبرتها الاممالمتحدة أكبر تجمع لقادة العالم وهو الاجتماع العام رفيع المستوى للجمعية العامة للامم المتحدة في الدورة الستين في الخطاب الذي كان يلقيه الامير سلطان – رحمه الله – أمام قادة العالم دعا إلى تحقيق الامن والسلام العالميين ، وذلك عبر ثلاثة محاور هامة محاربة الارهاب وإخلاء منطقة الشرق الاوسط من اسلحة الدمار الشامل وقضية السلام . فجدد الدعوة إلى جعل المنطقة والخليج خاليتين من أسلحة الدمار الشامل ، مشدداً على ضرورة وحدة العراق ، كما تحدث – رحمه الله – عن قضية مكافحة الارهاب حيث كانت المملكة قد تقدمت بمشروع قرار للجمعية العامة تدعو فيه إلى تشكيل فريق عمل لدراسة توصيات المؤتمر الدولي لمكافحة الارهاب والذي نظمته المملكة بما في ذلك انشاء مركز دولي لمكافحة الارهاب. وكون المناسبة تحمل طابعاً تاريخياً بالنسبة للأمم المتحدة جاءت كلمة المملكة التي ألقاها الامير سلطان - رحمه الله – لتتحدث عن الاصلاح في المنظمة العالمية حيث قال سموه " إن المملكة تقدر الدور الحيوي للمنظمات التابعة للامم المتحدة وتأمل أن تؤدي الجهود المبذولة لإصلاح الاممالمتحدة إلى تقوية هذه المنظمات وزيادة فعاليتها بما يتوافق مع تطلعات شعوبنا.. " في الذاكرة السياسية رجال تركوا من ورائهم إرثاً سياسياً ناصعاً ، أثروا.. وأثروُا خدموا دينهم وبلادهم فكان لا بد من أن تخلد ذكراهم ، برحيل الامير سلطان تفقد الامة السعودية رجلاً ستنعاه طويلاً. الامير سلطان بن عبدالعزيز يلقي كلمة المملكة امام الجمعية العامة في الامم المتحدة