بكل المقاييس نحن نعيش في عالم مختلف عما كنا عليه قبل عقد من الزمان، ولعل من يعمل في الأجهزة الحكومية يدرك بعض ملامح ذلك التغير بوضوح. هناك مقولة وهي أنه هيبة الحكومة تستمد فاعليتها من تطبيق النظام بصرامة وعدل. وبعيدا عن الكرامة والهيبة هناك اشتراطات مهمة يفرضها هذا العصر وهي تستمد قوتها من تغير نوعي في المستفيدين من الخدمات الحكومية، حيث باتت تطلعاتهم ومتطلباتهم تفوق بكثير مستوى الأداء الحكومي بدون استثناء، والسبب في ذلك يعود لعاملين أساسيين، أولهما الأنظمة والتشريعات التي دوّن بعضها قبل زمن طويل، وثانيهما مستوى الموظفين الحكوميين الذي يتصف بأنه بطيء في مواكبته لعملية التطور والمنافسة من أجل تقديم خدمة عملاء تليق بمستوى المستفيد من الخدمات الحكومية. العلاقة اليوم بين الموظف الحكومي والمراجع المستفيد من الخدمة يحكمها الكثير من سوء الظن، فالموظف ابتداء فاسد ومهمل ومتغطرس عند بعض المراجعين، والمراجع عند الموظف شخص مزعج كثير الطلبات، والمطالب ويحاول طرق جميع السبل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق طلبه. ومع أن المراجع في كثير من الأحيان هو موظف حكومي في جهاز آخر فإنه يجيد دور الباحث عن الخدمة المثالية، بينما يقدم في وظيفته مستوى أسوأ من الذي تلقاه من زميل آخر. أسهم الإعلام بشكل كبير في توتير العلاقة بين المؤسسات الحكومية والمراجعين، وأصبح من الطبيعي ممارسة النقد السوداوي الذي يفتقد أحيانا إلى الموضوعية. وبات المراجع قبل أن يزور أي قطاع متأبطا شره ومقدما أسوأ السيناريوهات ومتجهزا لها بأفتك الردود. عملية الإصلاح في مؤسسة حكومية ما يتطلب مشاركة فاعلة من وزارة المالية ووزارة الخدمة المدنية ووزارة التخطيط وديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق، وحديثا هيئة مكافحة الفساد. ودون تفاعل وتكامل بين هذه المنظومات لن يتحقق الإصلاح الحقيقي لأجهزة الدولة، وذلك للترابط العضوي بينها وتأثيرها المباشر في أي قرار تتخذه أي مؤسسة تسعى نحو الإصلاح والتطوير في أداء أجهزتها ومنسوبيها. ومن هنا جاء عنوان هذه المقالة حول ضرورة وضع رؤية ورسالة لعمل أجهزة الدولة يتولى مجلس الوزراء تطويرها ومن ثم تطبيقها وتوزيعها بين الأجهزة المختلفة كل يحقق منها ما يخصه ومتابعة الممارسة ورصد التقدم ووضع معايير التقيد والإنجاز وإعلان نتائج التزام المؤسسات بتلك الرؤية والرسالة ومكافأة من يحرزون تقدما ومعاقبة المتأخرين في الانتظام في نطاق من التنافس الإيجابي المتكامل. المواطن يستحق الكثير من الجهد المنسق والمدروس والأجهزة تحتاج إلى رؤية ورسالة تمكنها من التفاعل في إطار من التكامل وليس التنافس المريض الذي يركز على انتزاع الصلاحيات والتشبث بالسلطات والاستحواذ على حساب المصلحة العامة. ربما يكون من المناسب بعد ذلك وضع جوائز على مستوى الوطن للأداء المتميز للأجهزة والموظفين، وذلك بهدف ترسيخ الجودة والتأكيد على خدمة عملاء متميزة في القطاع الحكومي. هناك الكثير من الدورات والمحاولات التي لا تؤتي الكثير من الثمار بسبب غياب التكامل والتنسيق وغياب التشريعات التي تصهر الجهد الحكومي كله في مساق واحد نحو هدف وحيد وهو تقديم خدمات ذات جودة عالية في وقت قياسي وبيئة تحترم كرامة الإنسان. طموح من هذا القبيل لن يتحقق في ظل بيئة غير داعمة للنظام؛ فهناك من يتصور أن أي شيء يمكن أن يتحقق بالواسطة أو أنه فوق النظام، وذلك غاية التخلف وحالة مرضية تحتاج إلى حملات توعية مكثفة تعزز سيادة النظام فوق الجميع.