لفت نظري في لقاء تلفزيوني أجري مؤخراً مع الشاعر المبدع خالد بن مدعث الدوسري نفيه التام لوجود أي إبداع شعري نسائي يستحق الإشارة أو الإشادة في ساحة الشعر الشعبي، وإشارته المباشرة إلى أن الشعر النسائي مات وانتهى بموت شاعرات الجزيرة الشهيرات كبخّوت المرية ومويضي البرازية وغيرهن. والذي يلفت النظر ويستدعي الاستغراب ليس هذا الرأي الذي لم نعد نستغرب قراءته أو سماعه باستمرار من الكثير من الكتاب والشعراء حول الشاعرات وإبداعهن، لكن وجه الغرابة يكمن في الاعتراف الصريح من ابن مدعث بأن حكمه هذا حكمٌ اعتباطي لا يصدر عن عملية تأمل أو اطلاع على إنتاج الشاعرات..!؟ ورأي خالد ابن مدعث حول الشاعرات يُذكرنا ببعض المتلقين الذين يُمارسون عملاً ديكتاتورياً بمحاولة فرض ما يعجبهم فقط كنموذج للشعر الجيد والخالد، أو قصر الإبداع الشعري على جيل دون آخر أو على دولة أو منطقة أو قبيلة دون أخرى؛ أو قيامهم باستبعاد الشاعر من قائمة المبدعين لا لسبب واضح سوى عدم مُشابهة أسلوبه في النظم لأسلوب الشاعر الفلاني أو وجود تفاوت بين مستوى إحدى قصائده وبقية إنتاجه الشعري؛ ومثل هذه الأحكام اللا موضوعية تدل دلالة أكيدة على ضعف الوعي بحقيقة الإبداع وحقيقة الحكم النقدي الذي لا يمكن أن يكون مُقنعاً أو مقبولاً إلا إذا سُبق بعملية تحليل وتذوق للقصيدة أو العمل الأدبي الذي نحكم عليه. مُشكلتنا الكبرى في ساحة الشعر الشعبي هي أن تعصبنا الشديد مع شيء أو ضده لا يتدخل في آرائنا المطروحة فحسب، بل نجده في كثير من الأحيان يغلب على تلك الآراء فيفسدها ويجعل منها آراء سطحية ومُفرغة من أي قيمة قد تُمثلها لدى الآخرين، إذ لا يتوانى الشاعر عن التصريح بتصريحات انفعالية قد لا يكون هو نفسه مقتنعاً بها، إمّا رغبة في اصطناع الإثارة ولفت الانتباه إليه أو لأن ما صرّح به جاء كإجابة مُتسرعة على سؤال مفاجئ يخجل من الاعتراف بعدم امتلاكه لإجابة جيدة ومُقنعة له وهو الذي يُفترض به أن يكون أكثر ثقافة ووعياً من الآخرين في مجاله..! أخيراً يقول الشاعر الكبير عبدالله بن عون: كان العزيز يصيح للحب مذلول فأنا الذليل ولا حدٍ ذلّ ذلي دايم وجيبي بأزرق الدمع مبلول وحالي نحيل من الهوى مستخلّي ما احرزت أجيه ولا يجي منه مرسول بيني وبينه واحدٍ واقفٍ لي عليه قلبي بين الأضلاع متلول ودايم وهو للبال قِبلة مصلّي!