السؤال عن سمات القصيدة الناجحة أو (الخالدة) سؤال يُطرح على الشعراء المبدعين بشكل مُلِح ومُستمر في جميع عصور الشعر، ولكنه ظل بالرغم من تكراره وإجابة المئات من أولئك الشعراء عليه سؤالاً حائراً لا يجد له إجابة مُحددة وقطعية تُرضي جميع السائلين، مع أن كل شاعر يجتهد بذكر عناصر أو خصائص فنية وجمالية يرى بأنها قادرة على تقريب القصيدة من قلوب المتلقين وتسجيل نفسها في ذاكرة الإبداع؛ ولكن المتلقي لا يقتنع أبداً حين يجد بأن بعض تلك العناصر ليس لها قيمة في نظره أو قد لا تتوفر في بعض القصائد الخالدة التي تتردد أصداء شهرتها أو التي تنال إعجابه ..؟! النقاد كان لهم أيضاً محاولات طويلة وجادة لدراسة القصيدة "دراسة موضوعية علمية بحتة" وبعيدة عن الذاتية لتحديد عناصر الإبداع والتفوق فيها، ولكنهم يعودون دائماً إلى نقطة الانطلاق التي نعرفها مُسبقاً ليعترفوا باستحالة التعرف على عناصر ثابتة تجعل من القصيدة قصيدة ناجحة ومُدهشة، وكذلك الاعتراف بصعوبة انسلاخ الناقد أو المتلقي على حدٍ سواء من الذاتية في تذوقهم للنص الشعري وحكمهم عليه، وكما يقول أحد النقاد: فمهما "توسل الناقد بأدوات منهجية موضوعية لا بدّ أن يتأثر بمجموعة من العوامل تجعله في النهاية منحازاً لموقف أو لرأي يصوغه أحياناً بطريقه موضوعية، ولكنه يتضمن في الكثير من الأحيان جانباً من الذاتية". أجزم أن كل متذوق للشعر قادر على تعداد سمات وخصائص يُفضلها في القصيدة التي تستحوذ على قلبه، لكن هذا الأمر لا يمنعه من الإعجاب بقصائد أخرى قد لا تتضمن تلك السمات، فجمال الشعر -وديمومة الإبداع فيه وحبنا له- يكمن بالدرجة الأولى في غموضه ومقدار ما يحمله من أسرار دفينة تجعله ك الحُب من جهة لذّته واستمتاعنا به وحضوره في أوقات لا نتوقع حضوره فيها، وأيضاً في عدم قُدرتنا على حصره في تعريف (جامع مانع) يُمكِّن من فهم جوانب غموضه فهماً واضحاً ودقيقاً ..! القصيدة المدهشة كما يقول نزار قباني: ليست "وصفة عربية يستعملها الشاعر ليكون مُدهشاً أو جذاباً أو قريباً من القلب"، ولو كانت كذلك لاستطاع الشعراء تفصيل قصائدهم بالطريقة التي يحبونها، ولتحولت القصائد إلى نُسخ مُكررة لا تُثير أدنى اهتمام أو إعجاب؛ ولكن القصيدة في نظري مزيج خاص من الإلهام والفكر والمشاعر وأشياء عديدة تستعصي على الفهم والإحاطة، ولو افترضنا بأن لكل شاعر تركيبته الخاصة التي يجتهد لإتقانها وقد تُناسب بعض المتلقين ولا تُناسب آخرين، فإن المبدع الحقيقي هو الذي تستطيع تركيبته الشعرية لفت الانتباه والتأثير في أكبر عدد مُمكن من المتلقين..! أخيراً يقول المبدع متعب الشيباني: (فرقاك) بحر بلا ضفاف وين آمن وموجه خطر؟ وحكايةٍ منها أخاف عايشتها سطر سطر من الجفا كلّي جفاف وين أنت محتاجك مطر؟!