شكّل الكشف عن المخطط الإيراني لاستهداف الدبلوماسية السعودية في واشنطن، من خلال التآمر لاغتيال السفير السعودي: عادل الجبير، والتخطيط لتفجير السفارتين السعوديتين في واشنطن والأرجنتين صدمةً قويةً لإيران، قبل أن تكون صدمةً للعالم على هذا المستوى من العنف الذي كان يمكن أن ترتكبه إيران ضد دولةٍ مسلمة ومسالمة مثل السعودية. لم تأخذ إيران بالاعتبار أن واشنطن ليست بغداد ولا بيروت على مستوى الأمن، بل تصنّف واشنطن كأكثر المدن أمناً في العالم. لكن كل التخطيط الإيراني المتشابك لم يعطِ قيمةً للاستخبارات الأميركية، لم يكن المجتمع الدولي يجهل وجود دعمٍ من إيران لكثيرٍ من أشكال التخريب في العالم، لكن الفرق أن هذا الكشف توافر على ميزتين، الأولى: أنه كشف قبل وقوعه، والثانية: الأدلة الدامغة التي بحوزة الأميركيين حالياً. كما كشف الحدث عن استحالة التصديق لما يمسّ إيران، وهذا الخلل اتضح من قبل التيارات والحركات الأصولية الدائرة في فلك إيران، والتي يمكنها أن تصدّق أي قصةٍ تروى عن هذه الدولة أو تلك بينما لا يمكنها تصديق أي مخططٍ إيراني كشف على أعلى المستويات الدولية، ثمة تيارات تشكّلت بعد الثورات العربية، إذ جمع التيار الإخواني الأساسي في المنطقة فلول الحائرين من اليساريين والمعارضين والتائبين من التنظيمات الإرهابية حيث وجدوا في التيار الإخواني ملاذاً يمكّنهم من التحرك السياسي ضمن القوة التي تمنحها العلاقة الطيبة بينهم وبين إيران، لهذا يمكن وصف هذا التشكيل ب "الإخوانيين الجدد" والذين يعتمدون في تعبيرهم على مفردات طابعها المطالبة، وحين يجدّ الجد تتضح الانتماءات الأيديولوجية، والمرجعيات السياسية الإقليمية، فإيران لم تهيمن سياسياً على الإسلام السياسي الشيعي، وإنما أيضاً على الإسلام السياسي السني، والعلاقة بين إيران وحركة الإخوان أفردتُ لها مقالةً مستقلةً من قبل. لم يكن ثمة "فوبيا" من قبل الخليجيين تجاه إيران، لأن الخليج أقدم من النظام الإيراني الحالي، بل يمكن أن نصف إيران بأن لديها فوبيا متنامية تجاه دول الخليج، لا تعنى دول الخليج باغتيال السفراء الإيرانيين، ولا بزرع شبكات التجسس فيها، لأن خططها تنموية، وليست على عداءٍ مع إيران، والمخطط الذي كشف أخيراً يشرح مستوى الثقة المطلقة التي يكنّها بعض الدائرين في فلكها بحيث تُبرّأْ إيران من كل شر، وحين يخرج تقرير بنصف صفحة في أي صحيفة عن أي دولةٍ خليجية يتداولونه كخبرٍ منزّه من الكذب! ومشكلة إيران مع الخليج كانت موجودةً من خلال إرادة السيطرة منذ عهد الشاه، غير أن الثورة كرّست ذلك العداء، بحيث اتجهت الثورة للضخ في الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة، وكان لمفردة "تصدير الثورة" أكبر الأثر في زرع الشقاق وإعادة السجال المذهبي الذي خفت منذ قرون. في كتاب: "إيران-تحديات العقيدة والثورة" الذي كتبه بالاشتراك: "مهدي شحادة، وجواد بشارة" جاء فيه: "المؤسف أن إيران الثورة لم تعمد لاحقاً إلى تصحيح الوضع الخطأ الذي ورثته من نظام الشاه، بل اعتمدت سياسة كانت في إطارها العامة معادية للعرب بشكلٍ عام، ولدول الخليج بشكل خاص، حيث تدخلت في الشؤون الداخلية لهذه الدول، وهددت بانتهاك سياداتها".(ص:142). المسؤولية الآن على التيارات الإصلاحية، والمعارضة المعتدلة في إيران، أن تنتبه إلى المصير الذي سيؤدي إليه هذا النهج الحالي، من التدخلات التي أشار إليها الأمير سعود الفيصل، حيث تمد إيران يدها في العراق، ولبنان، والبحرين، وغيرها من دول العالم الإسلامي، وهي تريد أن تضرب السعودية وسط واشنطن من أجل إلصاقها لاحقاً بتنظيم القاعدة. كانت إيران وحلفاؤها من تيارات الإسلام السياسي السني والشيعي تنتقد الاستغلال الأميركي لتنظيم القاعدة، وهي اليوم تحاول استغلاله، كانت تخطط -ربما- بعد أن تنفذ العملية أن تخرج أحد كوادر القاعدة المقيمين في إيران على شريطٍ مصور يعلن تبين القاعدة للتفجير، كما هي مسرحية "أبو عدس" الشهيرة بعد اغتيال الراحل رفيق الحريري. مريم رجوي -زعيمة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية- قالت بوضوح إن: "الخطة الإجرامية لقوات قدس الإرهابية لاغتيال السفير السعودي في الولاياتالمتحدة الاميركية والقيام بتفجيرات هناك تعد إعلان حرب صارخا من قبل نظام الملالي على المجتمع الدولي والتي جاءت بأمر صادر عن خامنئي شخصياً". هذا الوعي من قبل المعارضة يجعل الإيرانيين حماةً لأمنهم قبل أن يأمن غيرهم مكر نظامهم. إن العداوة التي كشفت من خلال إحباط هذا المخطط لا تشمل الخليج والسعودية فحسب وإنما هو عداء على العالم، فتفجير السفارات لم تقم به إلا المنظمات التخريبية والمنظمات الأصولية، أما أن تخطط دولة من أجل تفجيرٍ فهذا تصرف لا يمكن استيعابه أو تفهمه. الطريق أمام إيران طويلة، هذا الحادث يشكل منعطفاً حاسماً لنظرة الأمم لها، والمسؤولية على الإيرانيين أن يستوعبوا أن العالم مختلف وأن به من التيارات والاتجاهات الكثير، وأن الرؤية الأيديولوجية الضيقة للأمم تعني الانتحار، فهل تستطيع إيران أن تتعايش مستقبلاً وبهدوء مع العالم؟!