كنت أظن أن "الخبراء" ظاهرة انقرضت مع اختفاء حقبة الستينيات والسبعينيات حين كان الخبير بلكنته الغريبة ولون عينيه المختلف و شقار شعره المتفوق يملك الحق في أن يدلي برأيه في كل أمر دقيق يخصنا نحن الذين لم نخرج بعد من جناح الدول النامية، في زمن كان اتقان مفردات لغة ثانية يعد من النوادر التي تضع الشخص في مصاف النخبة - بودي أن يعطيني أحدكم تفسيراً لمفردة النخبة يناسب عقلي المتواضع في قدراته- و كنت أظن وما أكثر ما يخيب ظني، أنه مع التقدم والتطور العلمي لدينا ونحن في حقبة وزمن مختلفين أصبح فيه صغارنا يتزاحمون ليتعلموا لغة ثالثة ورابعة وأصبح أطفالنا في الروضة يعرفون أسرار الكومبيوتر ويتفاهمون براحة مع الأي باد و غيرها من الأجهزة الإلكترونية، ومع زيادة الخبرة والمهارات الوظيفية من خلال الدورات التدريبية والبعثات والاختلاط بمجتمعات أخرى للاستفادة من تجربتها، كنت أظن أن ظاهرة الخبير الأجنبي بكل عنجهيته المصطنعة أو المكتسبة قد اختفت أو قلت أو انحصرت في أمور دقيقة ومعينة ومحدودة، لكن يبدو أنني فاهمة غلط! خاصة وأنني لا أنتمي لطائفة الخبراء المتميزين الذين يمطروننا بآرائهم المبتكرة وأفكارهم النيرة التي لم نفكر فيها من قبل ولم تخطر لنا على بال لأننا لسنا بخبراء مثلهم! لم أكن أتوقع أننا سنحتاج لخبير كي يعيد لنا تكوين الشماغ أو انحناءة العقال أو التطريز على عباءة أو يذكرنا بنوعية المستهلكين لسلعة مغرقة في المحلية وكيفية تسويقها لنا بلهجة مصطنعة ومفاهيم مقتبسة لا يفهمها عقلي ولا يستوعبها ذهني المغرق في المحلية، وهذه أمثلة خيالية مبالغ فيها لكنها قد تساعد في توصيل الفكرة. كنت أظن أن الخبراء الخبيرين في كل تفاصيل حياتنا بدءا من تعرجات خيوط المشلح ونهاية بالهيكلية التنظيمية لمؤسسة ما تخدم قطاعاً محلياً ما مرورا بتفاصيل احتفال غمرة لعروس أو زفة لأخرى في طريقهم للانقراض كما انقرضت الديناصورات، خاصة مع توفر القدرات المحلية المؤهلة التي يمكنها أن تتخاطب بلغتنا وتفهم خبايانا وتعيش معنا أيامنا بكل ما فيها من حر ومطر وبرد وغبار، أوعلى الأقل تراجعت اعتماداتنا المطلقة عليهم، واقتصرت حاجتنا لهم في أمور محددة مغرقة في التطور نعرف أبعادها وأهميتها، لكن يبدو أنني مخطئة وما أكثر أخطائي. لذلك أود التقدم لوظيفة خبير غير مؤهل والسيرة الذاتية مرفقة! هل تحتاجون إلى خبير لطيف وظريف يأكل القرصان والجريش و يفهم في الكبسة والسليق ومن عشاق الفول والتميس ولا يحب السوشي وليس له علاقة مع الكرواسون؟