في هذا اليوم الساطع نوره في سماء التاريخ، تكتسي البلاد بالأفخر من حلل البهاء، وتمتلئ القلوب بمعاني الوطنية والانتماء؛ فهو يوم راسخ في ذاكرة التاريخ ومتجّذر في أعماق أهل هذه البلاد الذين جنوا غراس الموحّد الملك عبدالعزيز طيّب الله ثراه، فيه تتذكر الأجيال تلك الخطوات العظيمة والعزائم المؤمنة التي أشرقت في سماء الفرقة وظلام التشتت وراحت تجوب الصحراء تحت راية التوحيد لتنشر في فضائها صدى أسطورةِ وحدةِ وبناءٍ سجّلها التاريخ بمداد المجد.. وفيه تستلهم الأجيال تلك الصور والمعاني.. وتستعرض بذاكرتها مجاهدات الرجال العظام الذين أرسوا دعائم هذا الوحدة و قدموا لوطنهم أرفع الأمثلة في معاني التضحية والفداء من أجل أن تنعم أجياله المتلاحقة بالخير والرخاء والاستقرار. إننا في هذا المقام، مقام يوم العرس الوطني الكبير لتلهج ألسنتنا وتجهد في شكر المولى عزّ وعلا أن منّ علينا من بين كثير مننه وعطاياه أن هيأ لهذه البلاد رجالا عمرت قلوبهم بالإيمان به، وذخرت دواخلهم بمحبة عباده، فكان يقينهم بنصرته وعونه، إذ كان الله حسبهم ومن كان الله حسبه كان التوفيق حليفه، فها نحن اليوم ننعم بالرفاه والاستقرار، وتعود علينا هذه الذكرى ونحن في أحسن الأحوال أمنا وأمان، عزاً ومضاء، رفعة وتنمية، فحق على الله علينا أن نحمده أناء الليل وأطراف النهار. إن هذه الذكرى تعود علينا ونحن تحت ظل هذه القيادة الكريمة الرشيدة، وتحت الرعاية الحانية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ورجال حكومته الأبرار، وهو القائد الذي تتجلى فيه كل المعاني التي سعى الرعيل الأول لترسيخها ليجئ عهده امتداداً لتلك الرؤى وتجسيداً لتلك القيم، فما زال هذا الوطن يرقى في مدارج الحضارة والتقدم، ويعانق نصراً في كل صباح جديد. ففي هذا اليوم نعيش الفرح باستلهام تجربة الوحدة وتجربة البناء الحضاري المعاصر، الذي تجسّد في مسيرة البلاد الحديثة وقطاف يومها الذي أصبحت فيه دولة حديثة تتنامى في آفاقها مشاهد عهد جديد من البناء وترتسم معالم النهضة الشاملة في كل جهاته ، لتكون أنموذجاً مضيئاً يعكس حقيقة استلهام تلك التجربة وتواصل العطاء ؛ ليكون الوطن واحة خير تتوهج فيها ملامح منجزات لا يمكن أن تصفها الكلمات أو تعبر عنها المشاهد المختصرة. وكغيره من المجالات، أخذ التعليم في هذه الملحمة السعودية المشرقة نصيباً وافراً من التألق والازدهار، واستطاعت المملكة في هذا العهد أن تحيك نسيج تلك الصورة المتميزة لمشهد التعليم انطلاقاً من المدارس وانتهاءً بالجامعات ومدن المعرفة الكبرى، حتى كاد هذا العهد بأن يعرف بعهد التنمية البشرية التي وجدتها قيادتنا خير نتاج لاستثمار رؤية الانطلاقة الأولى في عهد التأسيس عندما حرص الموحّد -رحمه الله- على استثمار الكوادر البشرية التي رسم من خلالها هذا الطريق المضيء. لقد أصبح التعليم خياراً حضارياً راهنت عليه وتمكّنت من تحقيق أهدافه وسبر أغوار التنمية من خلاله حتى غدا بُعداً مميزاً في التجربة الحضارية التي رسمت قيادة هذه الوطن ملامحه بمداد النور وحروف التميّز. ولعل مانالته جامعة تبوك من دعم واهتمام مكّنها أيضاً من السير بثقة في منظومة العمل هذه ودفعها لأن تكون جهة تنموية مشرقة تشكّل امتدادا لمسيرة التنمية في الجزء الشمالي الغربي من المملكة سواء في مشروعاتها الأكاديمة أو الإنشائية، حتى أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء من أضخم مشروع تحتضنه وهو إنشاء المدينة الجامعية. إننا ونحن نحتفل بهذه الذكرى العظيمة نسأل الله سبحانه أن يعيدها علينا وامتنا دوماً في مقدمة الأمم، وشعب هذه البلاد دوماً معلم وقائد بين الشعوب، نحتفل بها ونحن نعي المعنى الحقيقي لليوم الوطني، وندرك الواجب المحتم علينا إزاء ذلك، فهذه الذكرى بمثابة تجديد لعهدنا الوثيق مع قياداتنا الرشيدة القائم على الإخلاص في العمل والتفاني في الواجب، وهى نقطة لجرد الحساب الوطني، فيها نراجع أنفسنا فيما قصرنا في حق هذا الوطن الذي أعطى بلا منّ ٍولا أذى، وهى مناسبة نجدد فيها عمار القلوب بمحبة هذه البلاد ونعلي فيها من قيم التلاحم والعمل لرفع أركانه إلى المزيد من العلو. * مدير جامعة تبوك