عاد لاعب الاتحاد محمد نور لتشكيلة المنتخب السعودي الذي يستعد لدخول المعسكر الإعدادي لمواجهة نظيره التايلندي في الجولة الثالثة من التصفيات المؤهلة لكأس العالم وكأن شيئاً لم يكن، إذ وعلى الرغم من المبررات التي ساقها المدرب الهولندي فرانك ريكارد عند استبعاده له قبل دوران عجلة قطار المنتخب السعودي في سكة التصفيات إلا أنه انقلب على كل مبرراته، التي بدت وكأنها ليست مبررات، بل قناعات وفق ما صرح به في مؤتمر الصحفي الذي عقده يوم التاسع عشر من أغسطس الماضي. الدليل على أن تبريراته كانت قناعات وليس مجرد تبريرات للهروب من مأزق السؤال الذي ظل يطارده قوله في ذلك المؤتمر إن قراره جاء «لاعتبارات مستقبلية» في إشارة إلى عامل السن، مضيفاً في رده على سؤال إبعاد نور: «هذه حياة كرة القدم، فعامل السن مهم جداً، وفي اختياراتي المقبلة سيرى الجميع ذلك، لأن لاعبي منتخب الشباب ولاعبي المنتخب الأولمبي هم من سيكونون لاعبي المنتخب الأول». وكان ريكارد قد أكد قبل ذلك في معرض إجابته بأن قرار الإبعاد جاء وفق قرار فني جماعي، وأنه اتخذه «بضمير مرتاح»، حيث لا يحتاج اللاعب في المرحلة الراهنة، مبدياً تقديره لصدمة الشارع السعودي. كل تلك التبريرات ذهبت أدراج الرياح، فهاهو ريكارد يختار نور ناسفاً قناعاته حول سنه، والذي كان سبباً لإبعاده، فضلاً عن عدم حاجته له في المرحلة الراهنة كما أشار أيضاً في مؤتمره، وقافزاً على رؤيته الاستراتيجية التي بشّرنا بها في حديثه عن حاجة المنتخب إلى التغيير التدريجي في أعمار اللاعبين، وأنه سيقوم بذلك على مراحل؛ إذ ليس من المنطقي –من وجهة نظره- القيام بتغييرات جذرية مع أول مباراة يخوضها مع المنتخب. نور هنا في "دنيا الرياضة" كتبنا في أعقاب مؤتمر ريكارد الصحفي رؤية مفصلة حول تبريرات قرار الاستبعاد، وتناولنا في قراءة فاحصة تحت عنوان "أسباب استبعاد ريكارد لنور.. الفاهم يرفع أيده" كافة الجوانب التي طرقها المدرب كمبررات حول استبعاده، إذ ناقشنا الأمر باستفاضة حول تبريرات الفنية، أو غير الفنية، كما ناقشنا دلالة مفرداته التي استخدمها خصوصاً فيما يتعلق بتأكيداته على مسألة عدم حاجته له في "هذه المرحلة". في مسألة استناد ريكارد على عامل السن كمبرر أساس لاستبعاد اللاعب قلنا إن هذا التبرير واهٍ، ويدحضه وجود لاعبين تجاوزوا حاجز الثلاثين في تشكيلة ريكارد الأخيرة كحسن العتيبي "34 عاماً"، ومحمد الشلهوب "31 عاماً"، وحمد المنتشري "30 عاماً"، ومثله كذلك ياسر القحطاني الذي يقف على عتبة الثلاثين. وأكدنا كذلك بأن عطاء نور الفني، ومخزونه اللياقي، وقدراته البدنية كلها تجعله أكثر عطاء من غيره من اللاعبين حتى ممن يصغرونه سناً، وفضلاً عن ذلك فقد أسقطنا حجة المدرب بالرجوع لتاريخه مع برشلونة؛ حيث كان يعتمد في مواسم على لاعبين متقدمين في العمر كالمدافع لليان تورام الذي كان ريكارد يعتمد عليه كأحد أهم أوراقه في الفريق الكتالوني ويومها كان اللاعب الفرنسي في سن ال 34 عاماً، وقبله كذلك المهاجم السويدي هنريك لارسن الذي مثّل برشلونة وهو يمضي في عامه ال33، وبذلك أكدنا بأن العمر لم يكن يوماً يشكل قلقاً بالنسبة لريكارد. وعلى الصعيد الفني قلنا إن ريكارد سيجد نفسه في مأزق فني بإبعاده لنور كونه يعتمد على طريقة 4-3-3، وهي الطريقة التي تناسب إمكاناته كلاعب وسط يجيد الأدوار الهجومية بامتياز، وذهبنا للجزم بأن أحدا من لاعبي خط الوسط السعوديين لا يجيد اللعب خلف المهاجمين باقتدار سوى نور وأحمد الفريدي، وهما اللذان أقصيا من تشكيلة المنتخب، إذ غادرها الأول تماماً في حين بقي الثاني خارج القائمة الأساسية، وهو ما تأكد بجلاء في مباراتي عمان واستراليا الماضيتين إذ فشل ريكارد في كلا المباراتين في اختيار اللاعب المناسب خلف رأس الحربة الوحيد، ما جعل أسلوبه التكتيكي يصاب في مقتل. وطرحنا كذلك سؤالاً عريضاً عن كيفية غياب أفضل لاعب خط وسط في الموسم الماضي بإجماع كل الجوائز والاستفتاءات عن تشكيلة المنتخب في حين يحضر من لم تشملهم تلك الاختيارات، ولعل ذلك كان كافياً لهدم أي قناعة تقوم على أن الاختيار في تشكيلة ريكارد يقوم على الأفضلية وفق العطاء فقط ولا شيء غيره. واليوم إذ يعود نور للمنتخب فنحن لا يعني أننا نضمن له التميز في المباريات المقبلة، فقد لا يكون كذلك، ولربما يُخيِّب الظن فيه، فقد فعل ذلك غير مرة؛ ولكن حسب المدرب الهولندي أن يختار وفق ما يمليه عليه الواقع الفني للاعبين، لا أن يرتهن قناعاته لأمور تخلو من أدنى درجات المنطقية بل المهنية كذلك، ولعله فعل حسناً باختياره له بعدما شاهده تألقه في مبارياته مع فريق في الدوري وكذلك في دوري أبطال آسيا، والتي أظهر فيها نور تميزاً لافتاً أسوة بتميزه في مباراتي هونج كونج في تصفيات المونديال أبان إشراف البرازيلي روجيرو، والتي كانت سبباً مباشراً في فتح نيران الانتقادات في وجه ريكارد بعد قرار الاستبعاد الذي ساهم في طرح أسئلة مبصرة عليه في حين كانت أجوبته عمياء ما وضعه في خانة الشك!.