رمى الإعلام السعودي بالعديد من الأسئلة باتجاه مرمى مدرب المنتخب السعودي فرانك ريكارد في أول مواجهة صحفية بينهما، وذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده المدرب الهولندي في العاصمة الرياض، وبدا واضحاً من نوعية الأسئلة التي طرحت على مدرب "الأخضر" الجديد بأنها لم تخرج عن نوعية الأسئلة التي يتداولها الشارع الرياضي السعودي؛ خصوصاً ما يتعلق بقرار الأخير باستبعاد لاعب الاتحاد محمد نور عن القائمة التي أعلنها استعداداً لمواجهتي عمان واستراليا في تصفيات كأس العالم. وإذ بدا السؤال عن استبعاد نور واضحاً للمدرب ريكارد، وهو الذي حضر للمؤتمر الصحفي وقد علم حتماً بأن الحديث عن نور سيكون في مقدمة اهتمامات الإعلاميين الحاضرين، ما يعني أنه قد أعد عدته لهذه المواجهة، إلا أنه رغم ذلك لم يكن واضحاً في إجابته، وبدا حديثه لوغاريتمياً، وإن بدا لوهلة واضحاً، حين علق استبعاد اللاعب على مشجب التقييم الفني من قبله، ومستشاريه المساعدين، معللاً السبب "بعدم حاجة المنتخب للاعب في الوقت الراهن، وفي هذه المرحلة تحديدا". ويبدو من إجابة ريكارد تلك مدى إجادته لفن اللعب على الحبال، إذ لم يفت عليه قبل الإجابة أن يشيد بنور واصفاً إياه ب"اللاعب الكبير"، ومقدراً صدمة الشارع الرياضي لقرار استبعاده إلا أنه ترك الباب موارباً في حديثه عن قرار استبعاده، ففي حين شدد على أن القرار فني بحت إلا أنه لم يفت عليه القول بأن المنتخب لا يحتاج اللاعب، مردفاً كلامه بجملتي "في الوقت الراهن، وفي هذه المرحلة تحديداً"، وهو ما يعني بوضوح أنه قد يحتاجه في وقت آخر، ومرحلة مختلفة. وهنا يأتي السؤال الكبير: إذا كان المنتخب لا يحتاج نور في نظر ريكارد في هذه المرحلة الباكرة من عمره في التصفيات، فهل سيحتاجه حين يدخل عنق الزجاجة في هذه المرحلة في ظل صعوبة الوضع حيث سيواجه "الأخضر" منتخبين لا يقلان عنه في حظوظ الترشح للتأهل للمرحلة النهائية، وهما منتخب استراليا وعمان مع عدم استبعاد تايلندا كلياً من دائرة الترشيحات، أو حين يدخل المرحلة الأصعب في حال تأهل للتصفيات النهائية، والتي سيحمى فيها وطيس المنافسة، وسيواجه خلالها أكثر المنتخبات صعوبة من الناحية الفنية، وأكثر ترشيحاً لبلوغ مونديال البرازيل 2014. هذا السؤال وحده من بين كثير من الأسئلة يكشف تهافت إجابة ريكارد في مؤتمره الصحفي، وإلا فإن ثمة أسئلة أكثر تكشف هذا التهافت، فأي مقياس فني اعتمد عليه في تقييم مدى حاجته من عدمها لنور؛ خصوصاً وأن ليس ثمة اثنان يختلفان على أن نور يعد من أبرز اللاعبين السعوديين في الموسم المنصرم إن لم يكن أبرزهم على الإطلاق؛ إذ كان ولازال مفتاح التألق في الفريق الاتحادي، وأيقونة الإبداع فيه، ثم إذا كان المقياس هو الطريقة أو "التكتيك" الذي يتبعه في المباريات، والتي عادة لن تخرج عن طريقة 4-3-3، وهي الطريقة التي لطالما اعتمد عليها في كل محطاته التدريبية سواء في منتخب هولندا أو في السنوات التي قضاها في برشلونة، وحتى في محطته الأخيرة في تركيا مع غلطة سراي، والتي تعتمد في أسلوبها الدفاعي على تأمين المناطق الخلفية برباعي خط الدفاع، وبثلاثة لاعبين في المحور، ودعم الهجوم بلاعبي وسط يجيدان صناعة اللعب ومساندة رأس الحربة الوحيد، وهي الطريقة التي تناسب تماماً لاعباً كمحمد نور، إذ لا يوجد في الأندية السعودية من يؤدي هذا الدور بإتقان أكثر من نور في الاتحاد، وأحمد الفريدي في الهلال. أما إن كان الأمر يتعلق بتقدم عمر نور الذي يسير في عامه الثالث والثلاثين، فإن هذا التبرير يدحضه وجود لاعبين تجاوزوا حاجز الثلاثين في تشكيلة ريكارد الأخيرة كحسن العتيبي "34 عاماً"، ومحمد الشلهوب "31 عاماً"، وحمد المنتشري الذي يقف عن عتبة الثلاثين، ومثله ياسر القحطاني، وإذا كان لوجود العتيبي ما يبرره باعتباره حارس مرمى، فإن الشلهوب وإن صغر عن نور بعامين فهو ليس في قدرته البدنية ومخزونه اللياقي، ثم إن التاريخ نفسه لا زال يسجل على ريكارد اعتماده حينما كان يدرب برشلونة على لاعبين متقدمين في العمر كالمدافع الفرنسي تورام والذي شارك مع ريكارد وهو في سن 34 عاماً، وقبله كذلك المهاجم هنريك لارسن الذي مثل برشلونة ويومها كان اللاعب السويدي في نفس عمر نور اليوم، ما يعني ان العمر لم يكن يوماً معضلة فنية عند المدرب الهولندي الذي عرف عنه إيمانه بمزج عنصري الشباب بالخبرة. في ضوء ذلك لا يبدو قرار ريكارد باستبعاد نور مبرراً، وإن كان الأمر يعينه شخصياً باعتباره صاحب الحل والربط فنياً في المنتخب السعودي، فإن ما لا يعنيه هو أن يقتنع الشارع الرياضي بتبريراته غير المقنعة، بل غير المفهومة، والتي ساقها في مؤتمره الصحفي الذي بدلاً من أن يبدد الأسئلة فإذا به يزيدها!.