في قراءة للخطابات الملكية تحت قبة مجلس الشورى قال العضو الدكتور إسماعيل محمد البشري في حديثه ل» الرياض» ان اللقاء السنوي بين خادم الحرمين الشريفين وأعضاء مجلس الشورى يظل نقطة ارتكاز عالية المستوى وعظيمة الأهمية ، حيث يتجدد من خلاله التأكيد على الثوابت الكبرى التي قامت عليها دولتنا الفتية من بداية تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - وسار عليها أبناؤه الأوفياء من بعده ، ولعل من أبرزها التأكيد على العقيدة الإسلامية ، والمنهج الرشيد ، والوحدة الوطنية، وبناء الأسرة والإنسان، وهي من أهم الثوابت التي أشار إليها النظام الأساسي للحكم في مواده الأولى والسابعة والثامنة والتاسعة والثانية عشرة ، ويتم - أيضاً- في هذا اللقاء السنوي المتجدد إلقاء الضوء على السياسة الداخلية والخارجية للدولة وكذلك إبراز الأحداث والتطورات والمستجدات واستعراض جهود الدولة في المجالات كافة وخاصة ما حققته خطط التنمية من انجازات على طريق التنمية المستدامة وآفاق المستقبل محورها الرئيس الوطن والمواطن. خطابات الملك عبدالله تؤكد على العقيدة الإسلامية والمنهج الرشيد والوحدة الوطنية وبقراءتي للخطابات الملكية منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دفة الحكم وإلقاء أول خطاب ملكي له في مجلس الشورى بمناسبة افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الرابعة عام 27 1428ه ظهر لي أن هناك تجديداً في توجهات الخطاب الملكي وتأكيدا لمعطيات ذات أبعاد مستقبلية هامة أصبحت تمثل ثوابت ومنطلقات جديدة على درب المسيرة والتطوير الداخلي. يشير خادم الحرمين الشريفين إلى حقيقة هامة تتعلق بمجلس الشورى ليس على أساس أن مبدأ الشورى هو من أولويات الحكم الرشيد فقط فهذه حقيقة متفق عليها ولكن الجديد هو أن المجلس أصبح من الركائز الأساسية في اتخاذ القرار والمشاركة في إدارة الدولة ، يقول - حفظه الله - في أول خطاب له في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الرابعة : « إن مما يسرنا - أيها الإخوة - ما نراه في هذا المجلس وهو يواصل مسيرته في تحقيق الكثير من الإنجازات والمشاركة في صنع القرار، والإسهام في إيجاد المعالجات الناجحة للتحديات والطموحات الآنية والمستقبلية ، والتركيز على القضايا الجوهرية التي تهم الوطن والمواطن ، وقد أصبح بذلك سنداً قوياً للدولة ، وحلقة رئيسة في منظومة مؤسسات السلطة التنظيمية». وفي افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الرابعة يقول : « قد أصبح مجلس الشورى بما يضمه من كفاءات وطنية من مختلف المناطق والقطاعات بمثابة السند الأساس للحكومة في اتخاذ القرارات». وتتضح هذه الرؤية الملكية لتأكيد دور المجلس كأحد ركائز الحكم وثوابت الدولة بشكل واضح وجلي في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الخامسة عام 1431/1432ه حيث يقول حفظه الله : «... لقد أسهم مجلسكم في البناء والتنمية من خلال مبادرات بناءة وآراء سديدة وتوصيات موفقة جعلت منه شريكا ًمهماً في عملية التنمية.....وبهذه المناسبة لا يفوتني أن أشيد بجهود أعضاء المجلس وجميع منسوبيه وأن أذكرهم بأهمية دورهم في صناعة القرار الحكيم المبني على الدراسة المستفيضة التي يعضدها التخصص العلمي والخبرة العملية وسيظل مجلسكم- إن شاء الله- محل ثقة القيادة وتقدير الحكومة والمواطن...» وهكذا يظهر بجلاء أن خادم الحرمين الشريفين يؤكد في كل خطاب له على الدور الثابت لمجلس الشورى في بناء الدولة والمشاركة في صناعة القرار. أما المحور الثاني الذي لفت انتباهي فهو التوجه في الخطابات الملكية إلى التأكيد على أهمية الحوار الوطني، والمنهج الوسطي للإسلام، ومبدأ التسامح والاحترام كقيمة حضارية ومبدأ أساسي للتعامل، حيث يقول - حفظه الله - في أول خطاب له : «... وقد أخذ الحوار الوطني يكتسب اهتماماً ملحوظاً في الآونة الأخيرة وحراكاً واسعاً من قبل المفكرين على اختلاف اختصاصاتهم واهتماماتهم، مما يؤكد تكريس سياسة الحوار وإرساء قواعدها في مختلف مفاصل الحياة باعتبارها عملية متكاملة، ودرباً من دروب التطوير والتحديث والإصلاح التي تمر بها المجتمعات في سعيها إلى إرساء قيم تؤسس لمعالم الأمن المجتمعي ، والاستقرار السياسي، والإصلاح المستهدف ..». خادم الحرمين يشدد بشكل مستمر على واجب الدولة في بناء مجتمع تسوده العدالة والمساواة ويقول - حفظه الله - في الخطاب الملكي عام 1428/1429ه : ...» ونؤكد هنا أن على الجامعات والمؤسسات التعليمية ورجال الفكر والتربية والقلم والدعاة والعلماء أن يبينوا المنهج الوسطي للإسلام القائم على التسامح والاحترام، المنافي للتشنج والعداء، ليعرف العالم أجمع رسالة الإسلام وحقيقته وأنه جاء رحمة للعالمين ..». أما في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الخامسة عام 1431/1432ه فقد أصبح الحديث عن مبدأ الحوار أكثر تأكيداً ووضوحاً في السياسة السعودية المعاصرة حيث يقول حفظه الله: «...انطلاقاً من مبادىء ديننا الإسلامي الحنيف ومن الموقع الذي تمثله المملكة في العالمين الإسلامي والعربي واصلنا السعي في تبني مشروع خطاب إسلامي يقوم على الحوار والتسامح وتقريب وجهات النظر وإزالة سوء الفهم ونبذ مظاهر الخلاف والعداء والكراهية بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة عن طريق برنامج الحوار بين أتباع المذاهب والأديان الذي اكتسب بعداً دوليا ، ونحن عاقدون العزم على الاستمرار في هذه الجهود..». كما يظهر لي محور ثالث في الخطابات الملكية لخادم الحرمين الشريفين يحمل في طياته توجهاً واضحاً وشفافية عالية في سبيل النهوض بالوطن والمواطن،وتأكيد واجب الدولة في بناء مجتمع تسوده العدالة والمساواة في الاستفادة من موارد الدولة وخططها التنموية، ألا وهو الاهتمام بالتنمية المتوازنة بين مناطق المملكة، ورفع وتيرة الحديث عن ضرورة أن تشمل التنمية كل المناطق، وبدون تمييز، يقول - حفظه الله - في أول خطاب له في مجلس الشورى : «... هناك بعض القضايا التي نتطلع إلى التركيز عليها في المرحلة القادمة بإذن الله من أبرزها....الاهتمام بالتنمية الإقليمية المتوازنة وتفعيل الخطط في هذا الجانب..»، ثم يزيد هذا المبدأ وضوحاً وشفافية في الخطاب الملكي عام 1428/1429ه «... ولقد سررت خلال زياراتي لمناطق المملكة بما حظيت به من تنمية شاملة، بيد أنني لاحظت أن بعض المناطق تحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام بغية تحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة، وهذا ما نعمل على تحقيقه..» هذه المحاور الثلاثة تدل على بعض المستجدات الخاصة بالتوجهات المستقبلية لسياسة خادم الحرمين الشريفين الداخلية من حيث التأكيد على الدور المحوري لمجلس الشورى في بناء الدولة وترسية قواعد التطوير والتنمية وفق أحدث الممارسات والتطبيقات العلمية المعاصرة والمشاركة في صنع القرار، وكذلك دور الحوار الوطني في ترقية مستوى الوعي لدى المواطن وتفاعله مع المعطيات الحديثة للحياة وفق منهج إسلامي وسطي معتدل، ويأتي مبدأ الشفافية والمصارحة كدليل واضح على التوجهات الجديدة للخطاب الملكي حينما يؤكد على ضرورة الممارسات المتزنة والعادلة في تنمية جميع مناطق المملكة وينتقد بوضوح أن هناك بعض المناطق تحتاج إلى المزيد من العناية والاهتمام. من هنا أصبح اللقاء السنوي مع خادم الحرمين منهلاً عذباً ننتظره في شوق، ونتطلع إليه باهتمام لننهل من معينه الصافي ما يدفعنا إلى المزيد من العطاء والوفاء والبناء لقائد النهضة والإصلاح والنماء، ولبلد العقيدة والشريعة السمحاء.