انتقد مركز أبحاث أمريكي معروف وهو مركز كاتو للأبحاث ومقره بالعاصمة الأمريكيةواشنطن الزيادة المطّردة في الميزانية العسكرية الأمريكية مشيراً إلى أن زيادة الإنفاق العسكري الأمريكي لا تعني بالضرورة زيادة قدرة أمريكا على حماية أمنها القومي وعلى الفوز بالحرب على الإرهاب، كما طالب بإعادة توزيع النفقات العسكرية الأمريكية لكي تستجيب بدرجة أكبر لاحتياجات أمريكا في الفترة الراهنة. جاء ذلك في دراسة نشرها المركز للباحث تشالز بنا مؤخراً، أشار فيها إلى أن أمريكا زادت إنفاقها العسكري في الفترة من عام 1997 إلى عام 2003 بنسبة 4٪ سنوياً في حين انخفض الإنفاق العسكري لبقية دول العالم بنسبة 1٪ سنوياً خلال الفترة ذاتها. وذكرت الدراسة أن استمرار أمريكا في زيادة ميزانيتها العسكرية والتي قد تصل إلى 500 بليون دولار في العام الماضي (417 بليون ميزانية وزارة الدفاع و82 بليون دولار تكلفة إضافية للعمليات العسكرية في العراق وأفغانستان) يجعلها تفوق بنسبة كبيرة الإنفاق العسكري لبقية دول العالم، إذ يفوق الإنفاق الأمريكي الميزانيات العسكرية لأكبر 13 دولة في العالم من حيث حجم الإنفاق العسكري، كما أنه يمثل أكثر من ضعف إنفاق 158 دولة تالية للدول الثلاث عشرة الكبرى. ولو استمرت زيادة الميزانية الأمريكية بمعدلاتها الحالية فسوف تتخطى الميزانية العسكرية الأمريكية مجمل إنفاق بقية دول العالم العسكري خلال ثماني سنوات. وأشارت الدراسة إلى أن ارتفاع الإنفاق العسكري الأمريكي يأتي في فترة لا يتواجد فيها منافس استراتيجي حقيقي للولايات المتحدة، فروسيا على سبيل المثال لا يتخطى حجم إنفاقها العسكري سدس الإنفاق الأمريكي، وتحتاج روسيا أن تنفق خمس إجمالي دخلها القومي لكي تتمكن من ملاحقة مستويات الإنفاق العسكري الأمريكي الذي يعادل 3,7٪ من إجمالي الناتج القومي الأمريكي، وبالمثل لا يتخطى الإنفاق العسكري الصيني أكثر من سبع الإنفاق الأمريكي وتحتاج الصين أن تنفق ربع إجمالي دخلها القومي على الشؤون العسكرية لكي تصل لمعدلات الإنفاق الأمريكي، حيث يرى الخبراء أن الصين يفصلها عسكرياً عن أمريكا عقدان من الزمن على الأقل. وفي ظل هذه المعادلات تطالب الدراسة بخفض الإنفاق العسكري الأمريكي عن طريق الحد من التدخل العسكري الأمريكي في العالم وإعطاء فرص أكبر لدول العالم لحفظ الأمن على المستويات الدولية والإقليمية، وتقول الدراسة إن قدرة الولاياتالمتحدة على الدفاع عن أمنها القومي لا تعتمد بالضرورة على حجم ما تنفقه من أموال على الشؤون العسكرية، ولكنه يعتمد على الأسلوب الذي تنفق من خلاله هذه الأموال، وعلى ما إذا كانت هذه الأموال تذهب إلى الوجهة الصحيحة أم لا. لذا ترى الدراسة أن على أمريكا أن تقصر تدخلها العسكري على المواقف التي يتعرض فيها الأمن الأمريكي لخطر حقيقي، كما أن عليها التقليل من تواجدها العسكري في العالم لأن هذا التواجد ليس مفيداً - كما ترى الدراسة - في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال ترى الدراسة أن تواجد 31 ألف جندي أمريكي في كوريا الجنوبية لن يحول دون مهاجمة كوريا الشمالية لها - والتي تمتلك جيشاً يتكون من مليون جندي - إذا أرادت ذلك، كما أن في حالة وقوع مثل هذا الهجوم سوف يقع عاتق التصدي له على الجيش الكوري الجنوبي الذي يبلغ 700 ألف جندي وليس على الواحد وثلاثين ألف جندي أمريكي، كما أن أمريكا تعتمد بالأساس في حروبها على قوة سلاحها الجوي وليس على التدخل العسكري المباشر، ويمكن للسلاح الجوي الأمريكي إعادة الانتشار بسرعة كبيرة تفوق بسرعة إعادة انتشار القوات البرية الأمريكية. لذا تنصح الدراسة الإدارة الأمريكية بخفض عدد قواتها المنتشرة في العالم وبالتخلص من نظم التسلح البالية بجيشها، في المقابل تنصح الدراسة بتركيز الموارد الأمريكية في المجالات التي قد تساعد أمريكا بصورة مباشرة في الفوز بالحرب على الإرهاب وعلى رأسها مجال الاستخبارات، إذ تقدر الدراسة ميزانية وكالات الاستخبارات الأمريكية المختلفة بحوالي 40 مليار دولار أمريكي فقط، كما ترى الدراسة أن الاستخبارات الأمريكية تفتقد للخبرات البشرية المؤهلة في مجال الاستخبارات وتعتمد بشكل أكبر وخاطئ على جمع المعلومات من خلال الرادارات والأقمار الصناعية. لذا توصي الدراسة بضخ مزيد من الموارد لتدريب رجال الاستخبارات الأمريكية، وكذلك لتطور آليات عسكرية تُدار عن بعد قادرة على القيام بمهام عسكرية هجومية متطورة، وكذلك لتدريب قوات عمليات خاصة قادرة على التدخل السريع لملاحقة العناصر الإرهابية، ولتزويد الجيش الأمريكي بمزيد من الخبراء الذين يتحدثون لغات العالم الإسلامي حتى يتمكن الجيش الأمريكي ووكالات الاستخبارات الأمريكية من ترجمة تلال من المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها ولا يمكن الاستفادة منها بسبب عدم ترجمتها. جدير بالذكر أن مركز كاتو للأبحاث يعبر عن توجهات أصحاب التوجه التحرري الأمريكي - وهو توجه محافظ يرفض التدخل الأمريكي المتزايد في الشؤون الدولية على عكس توجهات محافظة أخرى سائدة - مثل المحافظين الجدد - والتي تنادي بزيادة التدخل العسكري الأمريكي في الشؤون الدولية.