(شلّة) المدير، مصطلح نسمعه كثيرا ويتردّد صداه في الحوارات الاجتماعيّة خاصة بين أولئك الغارقين في هموم ومؤامرات عالم الوظيفة الرسميّة. وينشط مثل هذا المصطلح في عالم الإدارة حينما تتقاطع المصالح الشخصيّة مع المصالح العامة ويكثر المنتفعون والمتزلفون وترى عيانا بيانا كيف تضيع الحقوق؟ ويمكن أن نعني هنا بعبارة "شلّة المدير" تلك الفئة من الناس التي تطفو على سطح الإدارة العامة ثم تختفي مع غياب (أو تغييب) المدير كبيرا كان أم صغيرا يستوي في ذلك طاقم صاحب (المعالي) الوزير، وعمّال صاحب (التعالي) مدير المركز الحكومي الصغير في تلك القرية النائية. ولعلّ من أبرز صفات "شلة" المدير أنّ الرابطة فيما بينهم في غالبها (مصلحيّة) أنانيّة حتى لو جمعتهم الصداقة أو القرابة و العصبيّة – وهذه من أهم أسس تأسيس الشلل- إلا أنهم في ذات الوقت سرعان ما يتهاونون ويتلاومون عند انفراط عقد المصلحة، أو استئثار بعضهم بنصيب أوفر من منافع صاحب القرار ماديّا ومعنويّا. ولو دققت في تركيبة "شلّة" هذا المدير أو ذاك لوجدت أن "رأس" "الشلّة" قد يكون "مدير المكتب " أو رئيس إدارة مهمة أو يحمل صفة "المستشار" القوي. ورأس "الشلّة" بطبعه كتوم غامض يكاد لا يتكلم كثيرا في شؤون العمل وهمومه، ولكنه لا يمل من الشكوى والتبرم – المغلف بالتلذذ- أمام الجموع من ضغط وحجم مسؤولياته قرب رئيسه "الكبير" الذي لم يمكنه من قضاء معظم إجازاته والتمتع بوقت أكبر مع أسرته. ويمكنك التعرف على صاحبنا رأس "الشلّة" حينما ترى الأتباع يلاحقونه بالابتسامات الميكانيكيّة والقصاصات، والهمس في أذنه وهو يعبر ممرات الإدارة ليوافوه بالمعلومات اليوميّة ويطلبون الرأي والرضا. ولا تعجبن إن رأيت بعض هؤلاء الأتباع أعلى منصبا أو مرتبة (في الظاهر) من رأس "الشلّة" لأنه هو من صنعهم وزرعهم . وليس شرطا أن يكون لكل "مدير" شلّة تستنفع باسمه وتمنح وتحجب ما تشاء تحت توقيعه، فهناك من المديرين من لا تُنبِت تربة مكتبه ومنزله مثل هذه الأعشاب لأن حسن اختياره وكفاءته تمكنانه من الفرز والاستنتاج ومن ثم إحاطة نفسه بطاقم محترف بما يضمن ألا يشاركه في صناعة قراراته إلا كل مختص ومؤهل. ولعل من أبرز خصائص المدير الذي تقوده "الشلّة" وتحتكر اتجاهات قراراته أولا: تعمّده إحاطة نفسه بمساعدين ضعفاء، ووضوح تدني ثقته بنفسه، وتشككه في ولاء من يخالف، وغالبا ما يتسم هذا المدير "بالضعف" والارتباك لحظة اتخاذ القرارات إذ لا يستطيع ان يمررها حتى يطمئنه المدير "الخفي" – أي رأس "الشلّة"- إلى حسن عواقب القرار. وبسبب سطوة "الشلّة" تجد أن هذا المدير يتخذ القرارات ثم ينقضها ويكلف أشخاصا ثم يعفيهم تبعا لتوازنات "الشلّة" وحساباتها مع القادمين الجدد لمطبخ القرار. مسارات قال ومضى: عجبي كيف ترجو من (فاقد) الإحساس أن (يعطيه).