الحياة تجارب ، عبارة تتردد على مسامعنا مرات عديدة بمناسبة ومن غير مناسبة ، وقد لا تستوقفنا طويلا ونتجاوزها إلى ما بعدها إما لعدم الاهتمام ، وإما لعدم الاستيعاب لما فيها من دروس ومخرجات ينعكس أثرها على حياتنا على الصعيدين العملي والشخصي. ( الحياة تجارب ) تعني في أبسط صورها أن ما نعيشه اليوم يجب أن يتحول إلى رصيد في حساباتنا نستفيد منه في كل مرة تتكرر فيها تجربة أو حادثة أو آلية عمل. ولكي نوضح الأمر بصورة أبسط ونتمثله في حياتنا اليومية دعونا نأخذ الدراسة كمثال واقعي ؛ ففي كل سنة هناك عام دراسي يبدأ وينتهي في مواعيد محددة ، وهناك إجازات تتخلل هذا العام ، وهناك طلاب يتخرجون وآخرون يقبلون أو لا يقبلون ، وهناك معلمون ومعلمات يبحثون عن فرص عمل أو نقل من منطقة أو مدرسة إلى أخرى ، وهناك من يجتاز اختبار القدرات أو يتعثر فيه ، وهناك وهناك .....الخ. السؤال هنا هل استفدنا من هذا التكرار وهذه التجارب أم أن الوضع باق على ما هو عليه ولا تزال هناك صعوبات في القبول والنقل والتوظيف والرسوم الدراسية في المدارس الخاصة ؟ ولسرد الوقائع دعونا نعود إلى صحافتنا المحلية في هذا الوقت من العام الماضي ونستذكر ما كتب فيها من مقالات وأخبار وتعليقات عن الدراسة والعام الدراسي الجديد. من المؤكد سنجد أن كماً هائلاً من الطروحات والمشكلات والمطالبات المعروضة قد تكررت ربما لسنوات عديدة دون الوصول على حلول ، وهنا يبرز السؤال ... لماذا ؟ لماذا لم نستفد من التجربة المجانية التي توفرت لنا وجعلناها تذهب أدراج الرياح وعدنا كيوم ولدتنا أمهاتنا لنبدأ مشوارا جديدا وتجارب مكررة دون الوصول إلى حلول مقنعة. أنا لا أحصر عدم الاستفادة من التجارب في قطاع التعليم والطلاب فقط ، وعلى اختلاف مستوياتهم ، فالصورة تتكرر مع كل حدث أو مناسبة لها صفة الاستمرارية ؛ ففي كل سنة هناك رمضان ، وهناك مساجد تقام فيها صلوات التهجد وحديث عن استخدام مكبرات الصوت وحديث آخر عن إفطار الصائمين وكأن هذه الأمور تحدث لأول مرة. ولو تركنا الصيام إلى الحج لوجدنا حجماً أكبر من المشكلات المكررة من افتراش وحج بدون ترخيص وازدحامات مرورية ورحلات طيران متأخرة ، وهكذا تتكرر الصورة مع الانتخابات في الغرف التجارية والأندية الأدبية ، ومع آليات العمل في الجمعيات العمومية للشركات والبنوك. المشكلة أن الأخطاء ونواحي القصور مستمرة مع استمرار التجارب وتشابه الأحداث والفعاليات مما يعني عدم الاستفادة من حصيلة هذه التجارب والعودة في كل مرة إلى نقطة البداية ، ونحن بهذا الأسلوب وهذا النهج سنبقى ندور في حلقة مفرغة ولن نخطو إلى الأمام شبراً واحداً. علينا أن نستذكر ما فات قبل أن نبدأ من جديد ، وعلينا أن نستفيد من السلبيات ولا نكررها وبدون هذا المنطق والسبيل والفهم ستستمر الأخطاء في التكرار وسندفع المزيد من التكاليف ونهدر العديد من الفرص ، وكلنا قناعة بأن ذلك ليس في مصلحة الوطن أو المواطن ... فلماذا نقدم عليه. أعلم جيدا أن الاستفادة الكاملة من تجارب الماضي ليست بالأمر السهل الذي يمكن أن يحدث مع تكرار التجربة للمرة الأولى ولكن متى ما وضعنا نصب أعيننا أهمية التجربة وما توفره من فرص للإصلاح والترشيد ، ولو على مراحل ، فإن النتائج ستكون مبهجة إن شاء الله.