القضية الفلسطينية تعددت فيها المزادات ما بين عربية وإسلامية ودولية، ساعد على ذلك الخلافُ بين قياداتها وأحزابها، والتي اعتقدت أن تعدد انتماءاتها يوسع دائرة مؤيديها، لكن العكس هو الصحيح حين دخلت في صراعات وعضوية منظمات إرهابية، وانتماءات متعددة أضرت بالقضية وشعبها.. فالقرار لايُحكم بالإجماع ونتج عن هذا التصرف العديد من الخلافات التي هي شخصية بحتة، والآن وجدل الاعتراف بحكومة فلسطينية على أرض ما قبل 1967م، مهمة معقدة جداً، فسوف يحمل الطلب الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وفي حال اتخاذ أمريكا حق النقض «الفيتو» في المجلس سيُرفع للتصويت عليه في المنظمة الدولية، والمؤشرات تقول إنه سيحظى بقبول كبير، إذا ما عرفنا أن العالم الإسلامي والثالث، ودول لا ترتبط بسياسات غربية معارضة سوف تكون المرجّح الأكبر، لكن الاعتراف يحتاج إلى جهد غير عادي، لأن الخصومة مع أمريكا وحلفائها صعبة جداً.. فهي مع الرغبة الإسرائيلية لأن وجود دولة فلسطينية عضو في الأممالمتحدة سيضع أي تصرف إسرائيلي أمام رأي عام عالمي، قد لا يكتفي بالإدانة فقط، بل ربما يتخذ قرارات أكثر تأييداً للفلسطينيين، وأن أي اعتداء على دولة عضو، سيعرضها لما هو أسوأ حين أصبحت هي من يتخذ القرار في الاعتداءات والخطف والسجن، واقتطاع الأراضي وتبديد ما تعتقد أنه وهم إقامة الدولة الفلسطينية، مستغلة الظرف الراهن.. فإرسال البعوث لمختلف الدول التي تتعاطف مع الشعب الفلسطيني، وعقد الندوات والمؤتمرات حتى داخل أمريكا، والاتصال باليهود المعارضين للسياسات الإسرائيلية، تحتاج إلى براعة محاورين سواء من فلسطينيين، وعرب، أو من أطراف خارجية، لأن حشد التأييد للقضية قد يخلق رأياً عاماً يقف ضد الموقفين الإسرائيلي والأمريكي.. أوروبا تراوح بين التأييد لإقامة الدولة الفلسطينية ومعارضتها، وهي مع أمريكا، تشكلان الأغلبية في عضوية مجلس الأمن، وعملية فهم موقفهما وتحديده تعزز عملية السلام التي طالما تعثرت بسبب تعنت إسرائيل، ولعل تنامي الوعي الأوروبي بالقضية بدأ يُحرج حكوماتها، لأن المظاهر غير الإنسانية التي عانى منها الشعب الفلسطيني، لايمكن تبريرها بأقوال شعب عاد لأرضه، لأنه لاتوجد ملكية مطلقة تفترض طرد شعب وإحلال آخر إلا ما حدث في أمريكا، وأستراليا ونيوزيلندا، المماثلة للوضع الإسرائيلي في فلسطين.. فالاعتراف بدولة فلسطينية، حتى ولو لم يأت قريباً، فهو من الثوابت التي لا تغير من الحقائق، بل إن وسائل الاتصال التي قلصت المفهوم الواحد، والقناعة الذاتية، وسّعت دائرة الفهم الموضوعي، وإسرائيل شأن أي دولة أخرى موضوعة أمام العالم بأي فعل إيجابي أو سلبي تقوم به.. فالرأي العام، وإن حكمته مصالح كل دولة، إلا أن مبدأ التعسف مرفوض بأسبابه الموضوعية والجوهرية، وحق الفلسطيني في دولة على أرضه لا خلاف عليه، ومبرر أمريكا في رفضها الدولة، والاستعانة بالحوار بين طرفيْ القضية لا يأتي بجديد لأنها دخلت صلب هذا العمل وفشلت منذ الاحتلال، وحتى اليوم، ومبررها يبقى ناقصاً لأنه في جوهره يعتبر هروباً من المسؤولية الأدبية والأخلاقية..