تحدثت في المقال السابق عن أهمية استماع الطبيب الى مريضه وأهمية تحسين التواصل مع المريض وامتلاك الطبيب للمهارات الكافية للتواصل والحوار مع مرضاه. إن عدم استماع الطبيب لمريضه تؤثر على نفسية المريض وتقبله للعلاج والتزامه به. وأيضا تؤثر على التشخيص الدقيق والسليم للمرض. فالطبيب بسوء تواصله مع المريض، لا يمنح المريض الفرصة الكافية ليقول كل المعلومات التي هي ضرورية لمساعدة الطبيب في تشخيص الحالة. عدم الاستماع يضر بالطبيب نفسه وبمستقبله العلمي! على الأقل في الدول المتقدمة. يورد الكاتب "مالكوم ماكدويل" عددا من الشواهد على ذلك. اذ يذكر أن غالبية الأفراد الذين يعانون من إصابة بسبب إهمال الطبيب، لا يرفعون دعوى قضائية على الأغلب!!. بل يرفعون القضايا بسبب تضررهم من سوء معاملة الطبيب ورداءة تواصله معهم!!. لقد جد أن هناك أطباء بارعين جدا وقليلة الأخطاء الطبية التي تحدث من قبلهم ومع ذلك يتعرضون للمقاضاة أكثر بكثير من أطباء أقل براعة ارتكبوا كثيرا من الأخطاء الطبية ولكنهم تمتعوا بتواصل جيد مع مرضاهم!. تقول "أليس بوركين" - هي إحدى المحاميات الشهيرات في الممارسة الطبية - إن ما يحتاجه الانسان لمعرفة لماذا يريد شخص أن يقاضي طبيبا؟ هو أن يعرف طبيعة العلاقة بين الطبيب وهذا المريض! تحكي عن إحدى عميلاتها التي تعاني من ورم، والتي أصرت على أن تقاضي طبيبتها المعالجة برغم أن الخطأ ليس خطأ الطبيبة بل أخصائي الأشعة. لكن العميلة أصرت على مقاضاة الطبيبة وعللت ذلك بأنها تكره الطبيبة.. فهي لم تنظر إليها بتاتا!! ولم تسألها عن الأعراض التي تعانيها مطلقاً!! كما قامت إحدى الطبيبات بتسجيل إحدى الحوارات بين الأطباء ومرضاهم نصف الأطباء تعرضوا للمقاضاة من المرضى والنصف الآخر لم يتعرضوا لأي شكوى أو قضية!!. اللافت أن الأطباء الذين لم يتعرضوا للمقاضاة كانوا يقضون وقتا أطول مع مرضاهم ويستخدمون عبارة من قبيل "أخبرني المزيد عن شكواك" و"سأترك لك وقتا للأسئلة" وكانوا أيضا يضحكون مع المريض ولديهم روحهم المرحة! وكانوا أكثر اهتماما بمرضاهم من الفئة الأخرى. وتشير الدراسات كذلك إلى أن أسوأ نبرات الصوت التي يستخدمها الطبيب مع المريض هي نبرة الصوت المهيمنة والمسيطرة!! في الدول المتقدمة يركزون على تدريب الأطباء على الاتصال وتطوير مهاراتهم. وخلق مواقف فعلية مع المرضى لاختبار مدى تمكن الطبيب من مهارات التواصل. ليس فقط التواصل اللفظي بل وحتى غير اللفظي. فعلى سبيل المثال الانحناء للأمام والاتصال البصري المباشر بالمريض يشعره بالراحة، في حين أن الانحناء للخلف وتجنب الاتصال البصري والتباعد في الوضع الجسدي يوحي بعدم الارتياح. أتذكر بكل مرارة تلك الطبيبة التي سألتها عن ألم شديد برأسي، فقالت لي بكل برود واستخفاف وهل لدي الوقت لأجاوب على كل أسئلتك؟. فقلت في نفسي مسكينة لديها ضغوط!!. واذا هي تتصل بإحداهن وتستغرق في وصف مكان استراحة يبدو أنها ستذهب إليها!! ألم أقل لكم أعزائي أن ضغوط الأطباء كثيرة؟!! وختاما ما نطالب به الأطباء ليس من قبيل الترف.. وإنما من باب السعي لتحسين الممارسة الطبية وتجويد نتائجها للمريض والطبيب معا!