حرص "عبدالعزيز" أن يصلي بمسجد الشيخ "الخليفة" وهو الإمام الذي عرف بصوته الجميل وصلاته المطمئنة.. وما أن دخل المسجد حتى توسط الصف الثالث ورفع يديه وكبر ودخل في تراتيل صلاة التراويح الساكنة، وبينما هو في روحانيته تلك الكبيرة حتى اصطف بجواره رجل طاعن في السن وأخذ يصلي بالقرب منه، لكنه راح يقرأ الآيات التي يقرأها الإمام بصوت مرتفع يصل إلى مسامع "عبدالعزيز" الذي خرج من جو الروحانية تلك، فكبر الإمام للركوع فأخذ ذلك المسن يسبح الله بصوت مرتفع أقلق "عبدالعزيز" الذي أصبح يشعر بأنه في حالة ترقب لرجل المسن، ثم كبر الإمام للسجود فسجد المصلين، ورفع الرجل المسن صوته بالتسبيح والدعاء بصوت يصل لمسامع "عبدالعزيز" الذي ملأ الغيض قلبه وشعر بأنه خرج عن حالة الطمأنينة تلك.. ثم كبر الإمام للجلوس بين الركعتين فأخذ الرجل يسأل الله المغفرة بصوت مرتفع.. وسرعان ما انقضت أولى الركعتين حتى سلم "عبدالعزيز" ونهض من جوار الرجل المسن وانتعل حذاءه وخرج من المسجد بعد أن شعر بأن الغضب تملكه لفرط الإزعاج الذي شعر به في الصلاة، وحالة الروحانية تلك التي فقدها بأصوات الرجل المرتفعة في الصلاة، والتي لم يتأمل سلوكه في المسجد ليعلم بأنه ليس بمفرده في الصلاة، فيما ترك عبدالعزيز لنفسه سيف الغضب أن يحرمه من أجر متابعة الصلاة في هذا الشهر الفضيل. إن للمسجد خصوصية عالية تزيد تلك الخصوصية في شهر رمضان المبارك؛ لأن الزيارة له والإقامة التعبدية به تطول، وتلك مسؤولية لابد أن يدركها كل من يقصد بيوت الله لآداء الصلاة فيه، فالسلوك الصحيح هو مراعاة الذوق العام والالتزام بمصالح الآخرين قبل مصلحة الفرد نفسه، فمضايقة المصلين بالترديد مع الإمام ورفع الصوت بالتسبيح أو الدعاء بطريقة غير مفهومة يخرج المصلين عن دائرة الطمأنينة والخشوع تلك، وربما حمل المصلي إثم أذى الناس. وخزة: تعلّم كيف تخفض صوتك في كل الأحوال حتى حينما تناجي ربك؛ لأنه فقط من يستطيع سبحانه وتعالى سماع الصوت حتى حينما يصدر من دبيب النمل.. ولاتكن مصدر أذى للمصلين الذين يقاسمونك المناجاة.. صح النوم أنت في رمضان!.