عبدالرحمن بن أحمد السديري (شفاه الله) أحد أبرز شعراء النبط في العصر الحديث، وعلم مشهور بالحكمة والرأي السديد، وعنه يقول الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري في قصيدة مطولة: أبوي لا كبرت القاله لقوا عنده حلول ولا بد كل يشكي له عن الحال يرى المفكر الفيلسوف ديوي، بأنه تجاه مشكلة أو شكوى معينة «يوجد في البداية وضع غير محدد، تكون فيه الأفكار غامضة، والأمور مشكوك فيها، والمفكر حائر»، هذه الحيرة جعلت الحلول التي يطرحها عبدالرحمن السديري، غير مرتجلة، وغير عشوائية، وإنما يشكلها ويصنعها، اعتماداً على مصادر معتبرة. التاريخ هو مصدره الأول، ومنه يستنبط فكرة الحل في صيغتها البدائية، لتشكل جوهر الحل، لتخضع هذه الفكرة لمعالجة ذهنية في مراحل لاحقة، وتنتهي بإنتاج حل لإنهاء المشكلة، وليس حلاً يترتب عليه مشكلة أفدح من المشكلة الأصلية التي يسعى في الأصل إلى معالجتها، واقتلاع جذور الاختلاف والفتنة منها. الاختلاف الذي استوجب الاهتمام بها، إما لتجنب المساوئ أو لضمان الاستفادة من العوائد. لذلك فإن عبدالرحمن السديري يتفهم خاصية السنن التاريخية، ويستفيد منها، فيقول: المراجل من بغاها ما تدنى راجع التاريخ ما للدنيا جديد ويقول ايضاً: راجع من التاريخ ما تستطيعه الناس تبرم والزمان بريم ولهذا فإن منهج عبدالرحمن السديري في الحكمة (الحل النهائي) مبني على قاعدة تاريخية مفادها بأن ما حدث في الماضي ضمن شروط محددة يكون بالإمكان تكراره بالمستقبل إذا توفرت نفس الشروط، فإذا كان هناك بعض الثمرات والأمجاد التي نيلت في الماضي ضمن جيل الآباء فمن الممكن تكرارها ضمن جيل الأبناء والأحفاد إذا حرصوا على توفير شروط مماثلة، وإذا كان هناك في الماضي بعض النكسات فإنه من الأولى تجنب شروطها ليتسنى تفادي تكرارها. وبهذا فهو يؤكد آلية القياس وأن للحياة دورات قد تختلف في مداها الزمني إلا أنها متوحدة في القاعدة التي تحكم سير تفاعل أطرافها. يؤكد الفيلسوف جوتشالك بأن التاريخ بمجمله يستحيل استحضاره متكملاً، فيقول: «لم يتذكر أولئك الذين شهدوا الماضي سوى جزء منه، ولم يسجلوا سوى جزء مما تذكروه، ولم يبق مع الزمن سوى جزء مما سجلوه..». بالتالي فإن المعرفة التاريخية قاصرة عن استيعاب احداث الماضي كاملة بتفاصيلها، لذا فإن عبدالرحمن السديري، لا يكتفي بالفكرة التاريخية المحضة، دون تنقيح يثريها، لذلك يمزجها بالخبرات المعاصرة، بعرضها على أهل التخصص العارفين بخفايا الأمور المستبصرين بنتائج تطبيق الأفكار، كما يظهر في الشطر الأول من البيت التالي وفيه يقول عبدالرحمن السديري: والعرف ما يعرض على غير ملفاه والقول (مقبول) اليا صار (معقول) تتسم الحلول والأفكار التي يبلورها عبدالرحمن السديري بخاصيتين، هما القبول والعقلانية، وذلك يبدو جلياً ضمن الشطر الثاني من البيت السابق. وبهذا فهو في فلسفته لا يميل الى فرض آرائه على الآخرين أو بسط نفوذه وتسخير الآخرين لطاعته، بل يهتم بإقناع الآخرين، بأن الأفكار المطروحة والتي يتبناها عبدالرحمن السديري هو الأنسب في مجملها لمعالجة المشكلة العارضة، باعتبارها الأقل ضراراً، إذا كان الضرر حتمي الوقوع، والأكثر نفعاً إذا كان النفع ممكناً ومتوقعاً. ومن ناحية أخرى تكون الفكرة مقبولة إذا اتسمت بالعقلانية واتفقت مع قواعد المنطق التي تقوم على أن لكل أمر سبباً يولده ونتجية تترتب عليه وتنسجم معه وجاء تبني عبدالرحمن السديري لقواعد المنطق من خلال أبيات متناثرة يعرض فيها بعض الأمثلة ذات الدلالات الرمزية، ومن ذلك قوله: البيت ما يبني بليا عواميد ولا يستوي مجد بليا مكده وفي بيت آخر يقول: ساس يعمر دون عرف وتجويد ينهار والدنيا عريضة بنودي فعبدالرحمن السديري عندما يرشح فكرة لتكون حلاً او رأياً او قراراً، فإنه يهتم بتحليل مكونات الفكرة وينقحها، يفصل بين الجانب الموضوعي ليحتفظ به في صلب الفكرة، والجانب العاطفي الشخصي الذي قد تتسرب اليه اهواء النفس وهي امارة بالسوء، حرصاً منه لكي لا يقدم الرأي الشاذ لانه لا يرتجل الحلول دون تبصر بها، فيتجنب نزعات النفس وانانيتها، لذلك فهو يقول: نفسي تعاتبني وهو من كرمها تقول حذراك انتبه ما قف الريب ويقول ايضاً: أوصيك نفسك قبل ما تلام لها احسب حسابك يا عريب المجاذيب وهنا فإن عبدالرحمن السديري يقوم بمحاكمة الذات لتقويمها كي لا تنحرف عن المنطق ولا تنجرف وراء اهوائها فيقول: من شهر يسراه يمناه محذية ومن تجاهل سو نفسه ما نفعها وبممارسة النقد الذاتي يحقق الاستقرار وضبط المنطق، وهو يؤكد ذلك بقوله: ومن لا هجا نفسه هجوه القواصيد ومن لا ترفع للطمان محدودي لأن النقد الذاتي يجنب افكار عبدالرحمن السديري التباين الفج مقارنة بأفكار الآخرين، الذين يقفون في غير الزاوية التي يقف هو بها، ويبني رؤيته للاحداث منها، بالتالي يتحاشى النشاز في افكاره فيوفر على نفسه المواجهة، وبذلك فهو يتجنب الصراع المشروع ضد معارضي افكاره الاولية، لانه بممارسة النقد الذاتي تجاهها يستشرف ويستوعب أقوى حجج المعارضين الداحضة للفكرة، لهذا فهو يخرج بحلول توفيقية، تبلورت مروراً بمرحلتي نقد الذات من موقف الذات، ونقد الذات من موقف الآخر المتصيد للنقائص والثغرات. فالمرحلة الأولى تتم بالتجرد من الأنانية والمطامع، وتمحيص الفكرة وإزالة الشوائب العاطفية العالقة بها، إلى أن تترسخ القناعة لدى الشخص ذاته بها فيرضى عنها، لذلك يكون مستعداً للدفاع عنها بقوة المنطق، لا بقوة السلطة. وفي هذه المرحلة يرقى بصياغة الفكرة من أولية بدائية إلى صيغة وسطى. وفي المرحلة الثانية فإن عبدالرحمن السديري يتقمص دور المعارض ويفكر بطريقته ليكتشف عيوب الفكرة ونقائصها، بالتالي يتمكن من استيعاب النقد المتوقع الذي قد يسلط على الفكرة الوسطى من قبل الآخرين على الطرف النقيض المتربص. هذا النقد من نتائجه لو تم من الناحية الفعلية أن يؤدي إلى قمع الفكرة وهلهلتها لتضعف ثم تضمحل وتتلاشى. لذلك فهو يستبق المواجهة الفعلية، ويستعيض عنها بمواجهة نظرية (محاكمة ذهنية) يكون هو فيها صاحب الفكرة ومعارضيها في نفس الوقت، ليعاود بلورة مداولات المواجهة ومزجها في شكل تكاملي متراكم ومنسجم المكونات، يتسنى معه إقحام نتائج المواجهة ضمن الفكرة الوسطى، وإنتاج فكرة متطورة ترتقي في جودتها الى مستوى فكرة نهائية غير قابلة للنقض، تجسد الحكمة التي تتناقلها الأجيال، وتجد القبول وتوجه السلوك، ولا تجد على مر الدهور من ينقضها لمتانة قاعدتها النقدية غير الأحادية. كما أنه يؤكد موضوعيته ونظرته المتوازنة المبنية على منطق العلاقات المتسلسلة، وبموجبها يكون لكل نتيجة معينة مقدمة تسبقها تولد تلك النتيجة دونما ارتباك.