الأمانة وضدها كلمتان تتداولان في المجتمعات، والمجالس، والمنتديات، ولكل من الكلمتين مدلول خاص إحداهما ترفع صاحبها وتعلي شأنه والأخرى تنزله منزلة الأذلين نبذها القرآن وقبح منها ومن فاعلها ومقترفها. وعُظَّم قدر الأمانة لما لها من أثر متعدٍ، على الفرد ، والأسرة ، والمجتمع والأمة، المعلم ، والطبيب ، والصيدلاني ، والمهندس ، والجندي ، والموظف ، والتاجر ، ورب الأسرة .. الخ ، هؤلاء مؤتمنون ومسئولون عما أؤتمنوا عليه وكل منهم حمل مسؤولية أبت السموات والأرض والجبال حملها. ولقد فزعت حين قرأت في جريدة الرياض يوم السبت 23/7/1432ه تطبيق العقوبة على 22 صيدلية في المملكة لمخالفتها الأنظمة والتعليمات ومن أهمها انتهاء صلاحية الدواء إذ إن المسؤول والمالك للصيدلية ، يفترض أنه صيدلاني أقسم على أداء مهمته ورسالته بكل أمانة ، وحفظ سرها وأسرارها ، ومعظم مرتادي الصيدلية يثقون بالصيدلاني كل الثقة ولا يقرأون صلاحية الانتهاء وقد لا يعرف كثير من الناس هذه الخاصية ومنهم من لا يعرف أن للدواء فترة صلاحية بعد فتحه واستخدامه كقطرات العيون وهذه مسئولية وأمانة الطبيب والصيدلاني إذ عليهما أن يوضحا ذلك للمريض فكيف بصيدلية تبيع منتجاً أو دواءً منتهي الصلاحية لا سيما وأن كثيراً من المرضى يصف ما به من داء فيصرف له الصيدلاني الدواء قبل أن يرتد إليه طرفه. ولقد أكد صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية أثناء ترؤسه مجلس إدارة الهيئة العامة للغذاء والدواء على أهمية الغذاء والدواء قائلاً: (يؤمِل المواطن والمقيم أن يتناول غذاءً سليماً نظيفاً إضافة إلى الدواء المأمون) فالأمانة عظيمة والمسؤولية جسيمة على مؤتمني غذاء الإنسان وتعظم أكثر في مؤتمني علاجه ودوائه وتعظم أكثر وأكثر إذا ما كان المسؤول عن الدواء يعرف أهميته ويدرك خطورته ويحيط بمركباته ويعلم لمن يصرف ومتى يُتناول، وهذه حقوق مكتسبة للإنسان وحق من حقوقه وأمانة في عنق من حملها ومن المؤمل ألا يكون ظلوماً جهولاً، (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) فمن الظلم البين أن يغش المرء أخاه الإنسان ومن أعظم الظلم الخيانة في البيع والشراء ومن أشدها ظلماً وعدوانا أن يخدع أو يغش الدواء وإن كان هناك غش وخداع وتدليس فلا يخطر بالبال أن يكون ذلك في المصحات والمستشفيات ودور العلاج. والمكسب والرزق متحقق إن شاء الله من أوسع الأبواب ألا وهو باب الأمانة وإن كان الخطأ الطبي مغتفراً بعض الشيء لكونه خطأ غير مقصود أو سوء تقدير فإن خطأ الصيدلاني غير متسامح به البتة لما يسببه من أخطار قد تصل إلى تلف أحد الأعضاء أو الموت فحفظ النفس من الضرورات الخمس إذ إن هلاكها محرم شرعا ومنافيا لأخلاق المهنة, فأمانة الصيدلاني مطلب وواجب مهني فحفظ الأدوية أمانة، وأسلوب صرفها أمانة، والتأكد من سريان صلاحيتها أمانة ، فهل من سامعٍ ومستجيب.