هذا العنوان هو لكتاب أبو بكر زين العابدين عبد الكلام الرئيس الهندي ورائد مشروع تقنية الصواريخ بأنواعها، هذا المهندس أكرمته الهند بأكثر من شهادة فخرية وميدالية، وجعلته رئيساً للجمهورية الهندية. وقد تحدث في كتابه الشيق عن الكثير من تجاربه ونجاحاته وفشله، وقد استدل على الكثير من الشواهد بآيات من القرآن الكريم، وذيّل كثيراً من الصفحات بمقتطفات من شعره ومن شعر الآخرين. تقرأ من خلال كتابه تواضع العلماء حين ردد مقولة إسحاق نيوتن الشهيرة "إن كنت أرى بعيداً فلأنني أقف على أكتاف العظماء الذين سبقوني" حينما أفكر في هذا البلد الكبير الهند وما به من كثافة سكانية ومذاهب متعددة، ورغم ذلك يخلو من الكثير من المشاكل التي تعاني منها دول مجاورة كالباكستان في الشمال، وسيرلنكا في الجنوب والفرق الكبير من حيث الاستقرار والتقدم، أعتقد أن السر يكمن في المساواة والتسامح وقبول الآخر ويقول في موضع آخر"كل نوع من المخلوقات على كوكبنا الجميل خلقه الله لأداء دور محدد، وكل ما أنجزته في حياتي لم يكن إلا بفضل الله ومشيئته، وقد أغدق عليّ بفضله بواسطة بعض الأساتذة والزملاء الممتازين، ولا يسعني إلا أن أسبح لله الذي ساعدني في إنجاز جميع هذه القذائف والصواريخ بواسطة شخص بسيط صغير يدعى عبد الكلام ليقول لملايين الناس في الهند إنه لا ينبغي أن يشعروا بأنهم بلا أهمية أو أنهم عاجزون عن شيء، نولد جميعاً وفي داخلنا نار مقدسة، وعلينا أن نبذل جهودنا لإعطاء تلك النار أجنحة كي تملأ العالم بسناها" تحدث عن والده عالم الدين بكل فخر، وعن حبه للناس من جميع الأديان، ومساعدته لهم، وعن تقشفه وتجنبه جميع أنواع البذخ والترف، كما تحدث عن أخته زهرة وكيف رهنت أساورها وقلادتها الذهبية ليتمكن من الدخول إلى الكلية التي يريد. ويقول:"ما كنت أفهم شيئاً من معاني الأدعية العربية في صلاتي، لكنني كنت مقتنعاً أنها تصل إلى الله"، وحين سألت والدي عن معنى العبادة قال:"العبادة ليس بها أسرار، بل إنها تقيم صلات روحية حميمية بين الناس، وحين تعبد الله فإنك تسمو فوق الوجود المادي وتصبح جزءاً من الكون الذي لا يعرف تقسيما أو تمييزا على أساس المال أو العمر أو الطبقة أو الطائفة". ويقول في موضع آخر:"من أهم وظائف الصلاة كما أعتقد العمل كحافز للأفكار الخلاقة، ففي ذهن الإنسان توجد جميع الوسائل التي يحتاج إليها ليعيش حياة ناجحة، والأفكار موجودة في الوعي وعندما تجد مجالا واسعاً للتقدم والازدهار فإنها ترشد إلى طريق الفوز والنجاح. وقد جمع الله في أذهاننا وشخصياتنا قوة عظيمة وقدرات مدهشة، والعبادة تساعدنا في اكتشاف وتطوير هذه القوى". وقد كرر في أكثر من موضع أهمية المعلمين في حياته سواء من حيث تأصيل مبدأ التسامح أو من حيث الطموح والعمل الدؤوب، يقول عن معلمه في المرحلة الثانوية، كان أستاذي يقول:"الطالب المتحمس الذكي يستطيع أن يتعلم من أستاذ غير ماهر أكثر مما يستطيع أن يتعلمه طالب كسول من معلم ماهر" ويقول إن هذا المعلم غرس فينا الشعور بأهميتنا واعتزازنا بأنفسنا، وكان يردد دائماً:"بالجهد والطموح تستطيع أن تحقق ما تحلم به، وعن طريق الثقة بالنفس تستطيع أن تغير قدرك ومصيرك". لم ينس صاحبنا فضل معلميه حين أصبح مشهوراً ودعي لإلقاء كلمة في إحدى الجامعات، حيث سأل عن أستاذه في المرحلة الثانوية وزاره في بيته ودعاه للحفل، قال لأستاذه:"إن أحلام المعلم الكبير تتجسد دائماً" فرد أستاذه ذو الثمانين عاماً:"رسمت هدفك وسعيت جاهداً لتحقيقه فتحقق، ثم أضاف:إذا كان الطالب مستعداً، فحتماً سيظهر الأستاذ" وعن معلم آخر يقول:" رغم أنني عشت في مدينة صغيرة فيها الكثير من التفرقة والتمييز بين الفئات الاجتماعية، إلا أن المدارس خالفت هذا التوجه بفضل معلمين تمردوا على هذه العادات البغيضة، فقد دعاني إلى بيته أحد المعلمين الذي ينتمي إلى أسرة متشددة للعشاء، فأصيبت زوجته بالرعب والفزع حين علمت أن مسلماً في بيتها، ورفضت خدمتنا وبقيت في المطبخ، وظلت تراقبنا من خلف الباب، فقدم لي الطعام بنفسه، وقبل التخرج دعاني مرة ثانية وحين رأى ترددي قال:"حين تتمرد على السائد ستواجه مثل هذه المشاكل" وحين أتيت إلى منزله قدمت زوجته الطعام هذه المرة ودعتني إلى المطبخ" ويقول في موقع آخر:"لا تخلو المدارس من المتشددين فقد حضر لمدرستنا معلم جديد، وحين رآني ألبس قلنسوة تميزني كمسلم، وأجلس في الصف الأمامي إلى جانب طالب يلبس خيطاً مقدساً، لم يستطع هذا المعلم أن يتحمل جلوس ابن كاهن هندوسي بجانب ولد مسلم، فطلب مني أن أجلس في الصف الخلفي، شعرت بالحزن الشديد ورأيت الدموع تنهمر من عيني زميلي ابن الكاهن، وفي المنزل أخبر كل منا والديه بما حدث، وفي اليوم الثاني دعا المدير هذا المعلم وأبلغه بحضورنا ألا يبث سم عدم المساواة الاجتماعية والتعصب الديني في أذهان الطلبة البريئين، ثم طلب منه أن يعتذر أو يترك المدرسة والجزيرة، لم يعتذر المعلم فقط بل أصبح من أفضل المعلمين في المدرسة. حينما أفكر في هذا البلد الكبير الهند وما به من كثافة سكانية ومذاهب متعددة، ورغم ذلك يخلو من الكثير من المشاكل التي تعاني منها دول مجاورة كالباكستان في الشمال، وسيرلنكا في الجنوب والفرق الكبير من حيث الاستقرار والتقدم، أعتقد أن السر يكمن في المساواة والتسامح وقبول الآخر،ولا يعني ذلك عدم وجود متزمتين متعصبين في الهند، لكن الفرق هو في نظام التعليم، وتساوي الفرص، وفي وجود قادة نادوا بالمساواة كغاندي ونهرو وأنديرا غاندي، حيث قتل الأول والثالثة من قبل متعصبين لم يعجبهم ما ينادون به. الأمم العظيمة هي التي تؤمن بالتسامح والتعدد وقبول الآخر واحترام حرية القول. تحدث أبو الكلام، كما يناديه والده، كثيراً عن التقنية والسبيل إلى امتلاكها وأهمية التعاون وروح الفريق وهذا سيكون له مقال قادم إن شاء الله.