كثيراً ما تتداخل الأمور بعضها ببعض وترتبك الأفكار وتصاب بحالة عجز تام أمام حقيقة الموت، الموت حقٌ عاجلا أم آجلا وعلى قدر قوة لحظة الفراق الأبدي فإن الله يرسل على قدرها رياح صبر فتسكن صدر المؤمن وتنشر في وجدانه الهدوء والطمأنينة. عرفت الشيخ عبدالله الغانم منذ سنوات زادت على ثلاثين عاماً فشغلني بشخصه وشخصيته، لقد كان رحمه الله علماً بالالف واللام تميز بذكاء حاد وبصيرة نافذة وحضور ذهني مذهل وذاكرة أستطيع ان أصفها بالمعجزة وقد أغنته تلك الصفات ومثلها عن نعمة البصر التي افتقدها في بداية سنوات طفولته. لست مبالغاً ان قلت ان رحيل الشيخ عبدالله الغانم قد أحزن كل محبيه وخصوصاً زملاءه وطلابه من المكفوفين الذين وقفوا على قبره يودعونه بعيون قلوبهم الدامعة. لقد كان رحمه الله رمزاً من الرموز التي يشار إليها عندما تذكر لجنة الشرق الأوسط لشؤون المكفوفين التي كان رئيساً لها والمكتب الاقليمي الذي أسسه وكان مديراً له كما كان رئيساً للاتحاد العالمي لشؤون المكفوفين، ومما يذكر له أنه كان أول كفيف عربي يقف في الجمعية العامة للأمم المتحدة والمقام هنا لا يسمح لي لأذكر الجهود التي بذلها لتأسيس بنيان متين وضعه لهذه الفئة العزيزة من أبناء وبنات هذا الوطن الغالي والذين مازالوا وسيبقون ذاكرين وشاكرين له ما قام به من جهود عظيمة أحسن رعايتها فأصبحت شجرة مثمرة أصلها ثابت وفرعها في السماء. تميز الشيخ الغانم من جملة ما يتميز به معرفته الشاملة وعلمه المتعمق في كثير من العلوم الدينية والأدبية والسياسية والعلمية، عرفت فيه الصدق والاخلاص والعزم يأخذ الحياة بقوة وان كان هناك مكان للضعف فهو ضعف إنساني أمام الرحمة والشفقة والحنان. ليس لي رغبة في مناسبة مثل هذه المناسبة ان أزيد الجراح نزيفاً أو ان أزيد الألم عمقاً بل رغبتي هي ان أذكر برحمة الله عز وجل وحكمته. لقد رحل الرجل إلى جوار ربه وهو اليوم في حياته البرزخية فلا الثناء يطربه ولا القدح يجرحه لكنها الحقيقة لا ينبغي ان أبخل بها. رحم الله الشيخ عبدالله رحمة واسعة وغفر له وأسكنه فسيح جناته وجعله من الراضين المرضين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.