** بالرغم من صفة القداسة التي تتمتع بها بلادنا الغالية بحكم وجود "المسجد الحرام" في مكةالمكرمة.. والمشاعر المقدسة موزعة بين منى وعرفات ومزدلفة.. وكذلك مسجد الرسول الأعظم محمد بن عبد الله في المدينةالمنورة.. وبقية المآثر الإسلامية الخالدة هناك.. ** وبالرغم من أن هذه البلاد -قبل ذلك- هي مهبط رسالة الهداية والنور إلى كل الدنيا.. بنزول القرآن الكريم على محمد.. وإشعاع الرسالة الإسلامية إلى كل الأرض.. ** بالرغم من هذا وذاك.. إلا أنني أستطيع القول إننا لا نشعر بهاتين القيمتين العظيمتين.. وربما نتصرف في كثير من الأحيان بعيداً عنهما.. ** فالإسلام عقيدة حضارية وإنسانية عظيمة.. نقلت المجتمعات البشرية -عند نزولها بمكةالمكرمة- من ظلام دامس.. وتخلف شديد إلى نور.. وهداية.. ومعرفة.. وإلى آفاق بعيدة.. وواسعة وغبر مسبوقة.. ** ووجود الكعبة المشرفة في قلب مكة.. كان ومازال وسيظل صلة ورابطاً لأبناء هذه الأمة على مدى الأزمنة والحقب التاريخية. وهو يشكل بالنسبة لهذا العالم "بوصلة" نحو الحق.. والحقيقة.. عندما تحلق الأرواح والنفوس حول الكعبة.. شاخصة أبصارها إلى بارئ هذا الكون ومدبر أموره.. ** كما أن وجود مسجد رسول الله.. الذي يزوره الملايين من كل مكان في هذا العالم.. هو مشكاة أخرى.. تشع في أرجاء العالم الإسلامي.. وتستقطب مشاعر المسلمين في كل مكان.. ** ومع كل ذلك.. فإننا لا نكاد نُحس بهذه القيمة الروحية والتاريخية التي اختصنا الله بهما.. ** ولو كانت العقيدة الإسلامية قد نزلت على أرض أخرى.. وفي بلد آخر.. لرأينا كيف أن ذلك البلد قد استثمر هذا التخصيص على كل الأصعدة.. ولقدم نفسه للعالم بصورة أفضل مما نقدم نحن به بلادنا وأنفسنا.. ** ولو كانت "كعبة" الله المشرفة قد وُجدت في أي بقعة من أرض هذه البسيطة.. لوجدنا كيف كانت الحفاوة والارتباط بها أقوى وأوثق وأعمق مما نحن نفعل أيضاً.. ** ولو كان المسجد النبوي الشريف.. قد وجد في أي مكان غير هذه البلاد.. لكنا شهدنا الكثير من الإحساس بعظمة هذه الميزة وقوة تأثيرها على حياتنا.. وفي تفكيرنا.. وعلى سلوكنا العام.. ** ولنا في بعض البلدان العربية والإسلامية منها.. نموذجاً.. وهي تتحدث عن قداسة مدن.. أو أضرحة.. جعلت منها مزارات.. ومحاور لالتفاف شعوب العالم المسلمة وغير المسلمة حولها.. وربطها بها.. واستقطابها إليها.. وانتزاع أدوار سياسية مؤثرة في المنطقة والعالم من خلالها.. ** والسؤال الآن هو: ** أين تكمن المشكلة لدينا؟! ** هل هي في ثقافتنا الدينية.. أو أعرافنا الثقافية التي تضع حدوداً وسدودا على استثمار هذه المكانة الروحية العالية بالشكل وبالصورة التي وهبنا الله إياها؟ ** أو تعود إلى عدم رسوخ تلك القيمة الروحية في دواخلنا وذلك لعدم تركيز مناهجنا الدراسية عليها كقيمة عليا ..وكوجود مادي كبير ..تحسباً من مسائل "التحريم" المبالغ بها ..والبعد بهذا الإرث عن التعظيم والتكريم الذي يستحقه .. ** أو ترجع إلى تربيتنا.. وعدم إحساسنا بقيمة المكان والزمان.. وتصرفاتنا التي نمارسها.. ونبتعد فيها عن تلك القيمة السامقة كثيراً.. بل ونتصرف بصورة "جارحة" حتى لطبيعة المكان.. وللقيمة الروحانية والمكانية أيضاً.. ** أو أنها ترجع إلى ضعف تواصلنا مع الفكر الديني الصحيح.. ونظرتنا إلى كل ذلك نظرة عادية وتلقائية.. ** أو أننا نفصل فصلاً تاماً بين القيمة الروحية.. وبين المعطيات السياسية التي تعرف كيف تستثمر هذا الواقع التاريخي والروحي والمكاني.. بالشكل وبالصورة الذي يجيده الآخرون ويستخدمونه الاستخدام الأمثل بالرغم من الفارق بين ما أعطاهم الله وأعطانا.. ** كل هذه الخواطر والأحاسيس.. شعرت بها وأنا أقرأ قبل كتابة هذا الموضوع.. خبر غسيل الكعبة المشرفة هذا الصباح على يد أمير منطقة مكةالمكرمة. وهو خبر لا يعيره الكثيرون منا أي اهتمام.. بالرغم من أنه ينبهنا (فقط) إلى أن لدينا رمز عقيدة خالدة.. ويوجهنا إلى ضرورة أن نرتفع إلى مستوى هذه القيمة.. وأن نكون (فعلاً) مجتمعاً إسلامياً نظيفاً.. لا مكان للفساد فيه.. ولا للانهيارات الأخلاقية.. ولا للتطرف.. والتشدد..ولا للانبهار بالغير.. ونحن الذين نمتلك ما هو أعظم مما عند هذا الغير وأفضل.. ** لكن الحقيقة تقول غير كل هذا،،، *** ضمير مستتر: **[مؤسف.. أن يكون لنا أعظم كنوز الدنيا.. ولا نعرف كيف نرتقي إلى مستواها]!