أفادت مصادر إعلامية، أمس، أن الرئيس الأسبق احمد بن بلة والرئيس الشرفي للجنة الوطنية للعفو الشامل، استقال من هذا المنصب، بسبب ما تعيشه هذه اللجنة هذه الأيام من أزمة داخلية حادة تهدد بنسفها كلية، جراء الصراعات بين مختلف أطرافها وقياداتها حول من يحقق اكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والمغانم الحزبية، عبر ركوب موجة العفو الشامل وما تمنحه من فرص ثمينة لا تعوض، الأمر الذي دفع برئيسها الشرفي احمد بن بلة إلى الانسحاب منها وتقديم استقالته، لاستحالة العمل في ظروف اقل ما يقال عنها إنها غير نزيهة وتفتقر إلى كثير من المصداقية، حسب ما أكدته مصادر مطلعة أمس بالجزائر العاصمة. وكان الرئيس الجزائري الأسبق، الذي لم يمر أسبوعان على تكريمه من قبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بمنحه درجة الدكتوراه الفخرية بجامعة تلمسان مسقط رأس الرئيسين، تقديرا لنضال الرجل وقيامه المبكر للعمل العسكري الثوري، واعترافاً من بوتفليقة نفسه بما أسماه «المراحل الصعبة التي مرّ بها الرجل» في إشارة إلى الإنقلاب الذي تعرض له بن بلة العام 1965 قبل أن يزج به في السجن وتنطفئ الأنوار من حوله فيعيش العتمة والنفي والتهجير، كان انتقد بشدة في الفترة الأخيرة من بروكسل البلجيكية عمل لجنة العفو الشامل ورفض رئاستها واتهم أصحابها بالعمل لتحقيق «مصالح حزبية ضيقة» . كما تأتي استقالته من الرئاسة الشرفية للجنة الوطنية للعفو الشامل في وقت تشهد اللجنة حرب مواقع حقيقية بين التيارات السياسية التي تقودها . ويترأس اللجنة الوطنية للعفو الشامل «إسماعيل عبدالرزاق» رئيس (حزب التجديد الجزائري) الذي كان على رأسه قبل استوزاره وزير التجارة الخارج من التعديل الحكومي الجزئي الأخير نور الدين بوكروح، كما يحتضن المقر الوطني لهذا الحزب هياكل هذه اللجنة، وهو ما اثر سلبا على أدائها وجعل عقاربها مضبوطة على توقيت حزب التجديد، وهو ما انعكس سلبا على أدائها والأهداف التي رسمت لها سلفا، وهي تجسيد العفو الشامل احد اخطر التحديات التي نأى الرئيس بوتفليقة بنفسه على تحقيقها في عهدته الرئاسية الثانية ووعد ملايين الجزائريين الذين صوتوا عليه في الثامن ابريل 2004، بتحقيق هذا التحدي الكبير. ويعتبر الرئيس الأسبق احمد بن بلة أول شخصية وطنية التحقت بهذه اللجنة واحتضنت مشروع العفو الشامل حتى قبل أن يكشف الرئيس بوتفليقة عن مضامينه ومحتواه. لقد أراد بن بلة أن يكون عنصر جمع والشخصية التي تلتف من حولها الطاقات المؤمنة بهذا المشروع وبالمصالحة الوطنية من اجل طي صفحة من أكثر الصفحات سوداوية في تاريخ الجزائر المستقلة. وحتى قبل أن يستقيل الرئيس الأسبق احمد بن بلة من رئاستها الشرفية، كانت حركة مجتمع السلم سباقة إلى سحب ممثلها من هذه اللجنة، بسبب هيمنة الانتهازيين والوصوليين على قيادة اللجنة، كما ارتفعت في الأيام الأخيرة الكثير من الأصوات المطالبة بنقل مقرها بعيدا عن المقر الوطني لحزب التجديد الجزائري، حتى تسترجع استقلاليتها المفقودة، وللابتعاد بها عن حلبة الصراعات الحزبية، الأمر الذي حدا بالكثير من الإطارات والشخصيات الوطنية والسياسية إلى رفض الالتحاق بهذه الهيئة. وتستغل الإطارات المتقاعدة وبعض المتساقطين سياسيا هذه اللجنة من اجل العودة إلى ممارسة السياسة واستغلال غطاء العفو الشامل لاكتساب بعض المصداقية التي افتقدتها طيلة مسيرتها السياسية، واستغلال منابر الحملة الانتخابية للعفو الشامل كمنابر لطرح أفكارها والتعبير عن أطروحاتها. وتفرض استقالة احمد بن بلة من الرئاسة الشرفية للجنة الوطنية للعفو الشامل، وكذا عدم اكتراث أحزاب التحالف الرئاسي بها أصلا، ونفور الجمعيات المدنية وتنظيمات ضحايا الإرهاب والمفقودين عنها، إعادة النظر في هيكلة هذه اللجنة، وإعادة صياغة توجهاتها وأهدافها، وإلا فإنها معرضة للاندثار. ومن جهة أخرى أفادت مصادر مطلعة، بان الرئيس بوتفليقة سينصب قريبا آلية مكونة من عدة شخصيات هامة وخبراء، مهمتها فتح نقاش وطني حول العفو الشامل والاستماع إلى وجهات نظر الجمعيات والمنظمات حول هذه المسألة، فضلا عن دراسة تجارب الدول التي كانت سباقة في تبني هذا المسعى عبر العالم، وتحليل خصوصيات الأزمة الجزائرية. ويراد لهذه الآلية أن تكون إطارا للتفكير والاستماع حول مسألة العفو الشامل، وتحضير النص القانوني الذي سيعرض للاستفتاء على الشعب قريبا، بعد حملة انتخابية وطنية يشرف عليها الرئيس بوتفليقة بنفسه بالإضافة إلى أحزاب التحالف الرئاسي، وينتظر أن يعلن عن تاريخ انطلاقها قريبا.