لهذه المرأة أغني أنشودة البساطة لله درها، تلك الرائعة النبيلة،، أود أن أستعير من أرق الشعراء أجمل ما قالوه في التغزل بامرأة حبيبة أهديه لها، لا تسعف الذاكرة ولا تتسع المساحة، وأريد أن أقتبس من الأناشيد الوطنية دفقات الحماس وتجذر الانتماء وعشق الأرض، أصنع منه باقة من الزهر أبدية تلتف حول جبينها، هالة حول الوجه الذي يشع بالضياء، هل يكفي أن أوجز العاطفة والمشاعر في جملة تقول: هذه المرأة أعشقها، وأود أن أحني رأسي أمامها وأنا أقبل يدها، رغم أنني مرة واحدة لم أرها ولا أعرفها وما أذكر اسمها، لكنها حاضرة حضور الوطن الذي أعشقه، وآسرة بكل النداءات التي تطلقها مشاعر الانتماء ورغبة العطاء وأصول المواطنة.. للأرض أغني ولهذه الرائعة النبيلة التي توحدت بها حتى صارت رمزا لأصالتها وعراقتها وتاريخها المجيد. ما قصتها هذه الغالية ؟ تأتينا مع سيرتها سيرة رجل لم أره أو أتحدث اليه، تمنيت أن أعرفه وأتملّى وجهه لكن لا سبيل اليه، قرأت له كتاباً وسألت عنه كثيرين حتى دلني إلى طرف من حكاياه بعض الأصدقاء، قيل فيما قيل عن هذا الرجل إنه باع كل ما كان يمتلك، هو رجل بسيط الحال فيما رواه الصحاب، واشترى كل قطعة صادفته من الموجودات الشعبية القديمة، الأواني المنزلية القديمة الضاربة في القدم، القطع التي كان يلعب بها الأطفال في البادية، وحتى الأبواب القديمة والشبابيك وقطع الزل والملابس من النسيج اليدوي.. صور الرجل هذه الموجودات ليوثقها، وصنفها، وأقام منها متحفا خاصا في بيته، واختار منها ما اختار ليضعه في واحد من كتبه لتكون هذه الموجودات التي في حوزته قد أصبحت تاريخا وطنيا اجتماعيا موثقا بالصورة والكلام.. هذا الرجل اسمه محمد القويعي،، رجل بسيط كل البساطة، وعظيم بعظمة أكبر معاهد أو مؤسسات الدراسات التاريخية والاجتماعية بكل علمائها وباحثيها وأساتذتها والناشطين فيها... تأتيني سيرة الرجل، محمد القويعي، مع سيرة امرأة المحال، ابنة الخمسين أو الستين ربما، من الطائف هذه المرة بدلًا من القويعية، الأمية التي لم تنل قسطاً من التعليم، والحبلى بشكل دائم ومستمر برغبة الوصول الى أناس لم ترهم وقد ارتحلوا عن عالمنا، واستعادة نمط حياتهم بابتعاث ما كانوا يحبون ويلبسون، ومسكونة بهاجس الذوبان في الوطن وإزاحة بعض غبار التاريخ عن كنوزه القيمة، عاشت على حلم أن تجمع كل أشكال الأزياء السعودية القديمة، تمسح عنها كل تجاعيد وكرمشات الزمن، وتعيدها أقمشة صبية وعفية، لتقدمها " تاريخاً شعبياً"، حياً وناطقاً ونابضاً بالصورة والكلام، هدية لكل الأجيال الحالية والقادمة، مستعينة ببناتها اللائي تعلّمن في تسجيل حكاياها عن تلك الأزياء كتابة، يقرؤها الناس فكأنما هم يستريحون على صدور جداتهم وهن يقصصن عليهم أحب الحكايات مما لا تمله من الجدة طفولة بريئة... هل تستحق هذه المرأة الرائعة أنشودة بسيطة على هديتها العظيمة لمجرد الإشارة إلى أنها موضع التقدير والاحترام ؟