عمرها المعلن للناس لا يكاد يتجاوز 15 سنة، ويراها محبوها - وهم محقون- قمر (ليلة 15 ). نعم هي ذاتها الحسناء الغامضة التي عُزِلت عن عامّة الناس وحُبِست في خدرها ردحا من الزمن، وبعد طول انتظار وحين استوت قامتها وقوامها ظهرت مشرقة فارعة القامة تلوح للدنيا وتبتسم للعالم من حولها. أحبّها الناس كلهم -وهم معذورون- فقد ساوت في خدماتها بين الفقراء والأغنياء وأعطت الفرصة للصغير والكبير سواء بسواء. ولأنها جذّابة بديعة فقد بهرت الجميع بجمالها وكمالها، بل وذهل الهائمون بها من عجائبها التي لا تنتهي. ولكن لأن الناس أجناس فقد انقسم زوارها من حولها ففريق أخذ يُمتّع ناظريه في حسنها، ويغذّى عقله من علمها، وكأنه بذلك يضيف إلى حسنها حسنا، أما أقوام آخرون فقد غلبتهم النفوس الأمارة بكل سوء فأبو إلا أن يكرروا المحاولات تلو المحاولات لخطف هذه الصبية الحلوة، وطمس محاسنها، والأشد إيلاما أنهم لا يتوانون أبدا عن موقفهم وإصرارهم على جرّ الجميع معهم للفرجة على مسكنٍ خربٍ أعدّوه لها في الظلام الدامس. أليست الانترنت هي الحسناء الجديرة بالتغزل، أليست هي فاتنة العصر وآية الزمان وفي ساحها يلتقي الشيب والشبان، أليست هي الحسناء التي جعلت رسالة البريد تصل مقصدها قبل أن يرتد إليك باب حجرتك، أليست هي من أعطاك مفتاح «قوقل» «وياهو» وعشرات المفاتيح الذهبية الأخرى التي سمحت لك بالتجوّل في أروقة مكتبة الدنيا، والبحث في أرففها التي زادت وثائقها القريبة عن 8 مليارات وثيقة متاحة لكل باحث عن المعرفة. أليست الانترنت الحسناء هي من قدّمت لك مجلس الحوار، وصالة الملعب، وأدخلت إلى منزلك فصول المدرسة وقاعات التدريب، وهي من أعطتك كل الوقت وأتتك بالخدمات التي لا حصر لها بزهيد الثمن وسريع الوقت وأنت لم تغادر حجرة مكتبك في المنزل. هذه هي الانترنت التي مكنتّك يا صاحبي من إشباع هواية جمع الساعات عندك وذلك بالتسوّق وأنت (هنا) في محل الساعات القديمة القابع (هناك) في ذلك الشارع الخلفي وسط المدينة البعيدة التي لم تبصرها عينك. وهي الانترنت التي منحتك القدرة على شراء زهور هولندا وبعثها إلى الصديق والحبيب في دار غربته أينما كانت في اقل من 48 ساعة. يا صاحبي كم ليلة أسهرتك نوائب الدنيا ففزعت إلى جهاز الانترنت تتجول في ارض الله، وتحاور خلق الله فسري عنك وعدت إلى فراشك هانئا مسرورا. هلا خرجت - يا صاحبي- من دائرة اعتيادنا على الأشياء وسألت من مكّنك من مقارنة أسعار المنتجات وحجز المقاعد في شركات الطيران واستئجار المسكن لإجازتك الصيفية؟ أما سألت نفسك - يا صاحبي-كيف لو لم تكن هذه الساحرة بين يديك.. هل كنت تمكنت من البيع والشراء في سوق المال؟ وهل كنت قدرت على مراجعة حساباتك وتسديد التزاماتك المالية وأنت تقضي إجازتك في قرية قريبة، أو تتسلّى بمنظر البحر من على شُرفة محلها أقصى الدنيا؟ وأسالك كيف تابعت أنباء اهلك وذويك وأحوال بلدك ومن تحب حينما كان يفصل بينك وبينهم قارة فاصلة. هذه المساءلات والمراجعات.. حق مستحق.. لشبكة الانترنت بعد أن أكثرنا الحديث عن سلبياتها التي هي سلبياتنا.. لقد أمتعتنا فأشقيناها، وفردت لنا ذراعيها فأطلقنا السهام في صدرها، نعم هذه الشبكة الحسناء أتت إلى عالمنا بريئة فملأنا جوفها بالفيروسات التي كسر عددها بنهاية عام 2004 م حاجز 100 ألف فيروس صنعها وزرعها الإنسان لتنتشر في كل أركان المعمورة. أتت الشبكة الحسناء شريفة فلوّث عفافها الإنسان بأكثر من 372 مليون صفحة تروج مواد إباحية منها قرابة100 ألف موقع يقدم مواد فاحشة عن الأطفال لا يقرها أي تشريع سماوي أو ارضي، وكيف الحال إذا انضمت هذه الأرقام المهولة إلى رقم مخيف آخر يبيّن أن أكثر من 3 بليون رسالة بريد الكتروني تتحرّك عبر الشبكة يوميا بمحتوى متعلق بالمواد الإباحية. من يحمي قمر15 من عبث الإنسان؟ ***مسارات*** قال ومضى: نعم اشهد لك في موضوع النزاهة (بشيء واحد) وهو (براءتك) منها. [email protected]