وفقا للمادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء. ولكن منذ قرون ونحن في عالمنا العربي نعيش في مجتمعات سيطر عليها المفهوم الذكوري للبنية السياسية والثقافية والاجتماعية. فدور المرأة الظاهري محصور دائماً في الحياة الخاصة وبهذه الطريقة يتجاهل الفهم والقيم دور ومساهمة المرأة في تكوين عالمنا على ما ينبغي أن يكون عليه. فمنذ بداية التاريخ كل مجتمع ينتج خطابات بين الجنسين يعتمدها في مختلف مؤسساته السياسية والاجتماعية وتنعكس بعد ذلك على تكوين المنهج الرئيسي لقاعدة المجتمع. هذه الخطابات تهيمن على صياغة المجتمع المحلي والدولي. وتفترض أن أدوار الجنسين طبيعية وثابتة وتاتي بالفطرة فكل إنسان يولد مع أدوار محددة محتومة عليه حسب نوع الجنس ذكراً أو أنثى. لكن هذه الفرضية تثير الجدل ومضللة للغاية. فالتجارب والتكوينات التاريخية ترفض بقوة هذه الفرضية بل تزعم أن الهويات تتكون من خلال خطاب المجتمع وهي نتيجة مفاهيم اجتماعية مركبة تشكّل هويتنا. إن المرأة وليست البيروقراطية والأنتلجنسيا فقط التي تنتج الأمم والمجتمعات بيولوجياً وثقافياً ورمزياً والمفترض أن تتحمل المرأة مسؤولية أن تكون وصية على الثقافة الوطنية وتقاليد الشعوب الأصلية بوصفها مربية وأما. بينما يعمل البعض على بقاء المرأة داخل الحدود التي تحددها لها النخب الذكورية. وتبقى مساهمات وتجارب المرأة مخفية في النظريات المختلفة في الإطار العام والشخصي للمجتمع. والخصائص الذكورية المهيمنة تنعكس على البيئة الاجتماعية مما يؤدي إلى إنشاء تسلسل هرمي استعماري. التسلسل الهرمي الاستعماري الذي يحكمه الجنس الذكوري يؤثر بشكل ملحوظ على صياغة السياسات الاجتماعية والقانونية. إن القيمة العالية للمرأة كفرد منتج وفاعل، ودورها المفترض في بناء التنمية البشرية والفكرية في المجتمع تجعلها عرضة للهجوم في صراعات المجتمع من قبل رجاله، إذا حدث ونظروا اليها على أنها غير موالية أو لديها ميل إلى ممارسة حقها ودورها في المجتمع. علاوة على ذلك فإن هذا التصنيف يجعل المرأة عرضة للهجوم من الجنس الذكوري على الجانب الآخر من الصراع بين الدول أو حتى من قبل الفئات المختلفة باعتبارها وسيلة لاستهداف الرجال. كالاغتصاب الجماعي في الحروب. وهي إستراتيجية حرب تهدف إلى إذلال العدو من خلال إظهار عدم قدرة الجنس الذكوري على حماية المرأة. لقد ظل دور المرأة في الحرب وغيره من أنواع الصراع العنيف تقريبا غير مرئي في جميع أنحاء العالم. وقد أهمل تماماً أي إشارة إلى مشاركة النساء في الحروب كمقاتلات، وقادة للمجتمع، وعاملات في الرعاية الاجتماعية وقد همشت هذه الأدوار تماماً. في الوقت الذي تلعب المرأة دوراً حاسماً في عمليات صنع السلام ليس بسبب جيناتهم العاطفية ولكن لخبرتهم في تشكيل المجتمع. فالمرأة هي الرحم الأول والأخير لإنتاج واستمرار وتطوير العادات والتاريخ والثقافة. وهنا في المملكة بلغت نسبة النساء بموجب آخر إحصاء 53% من عدد السكان. وهي نسبة لا يستهان بها دون شك. كما أنها تأتي لتؤكد أنهن أكثر من نصف المجتمع. وبالتالي فإن تهميش هذا العدد الكبير وحرمانه من المشاركة التامة في التركيبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أمر لا يمكن تصوره. سيما وقد شكّل النساء النسبة الكبيرة من خريجي الجامعات. ومع هذا تظل مناقشة دور المرأة وحقوقها في مجتمعنا موضوعا حساسا ومثيرا للجدل. لأن الأدوار بين الجنسين في المجتمع السعودي بنيت على الثقافة القبلية الأبوية. فالجزيرة العربية هي موطن القبائل ذوو السلطة الأبوية والبدوية. فثقافة المجتمع تشكل قناعاتنا وليس أي عنصر آخر. مؤخرا شهدت المملكة افتتاح أكبر جامعة للمرأة في العالم. وهي جزء من التقدم الشاسع، والتحديث الذي تقوم به الدولة، غير أن بعض الأصوات المتطرفة هاجمت هذا التحديث المعرفي، والتوجه إلى مؤسسات التنوير، ومارست التطرف في إقصاء المرأة التي هي الآن طبيبة وأستاذة جامعة وباحثة ومفكرة وعالمة وتحتل مراكز متقدمة في بعض الهيئات الدولية. ونطرح سؤالاً آخر.. هل هناك خوف من دور وفاعلية المرأة؟ إن إعطاء المراة المساواة المطلوبة لا تهدد قوة وهيمنة الرجل بل تعززها. فلماذا التهميش، والإصرار على الإقصاء، وتحديد أن مكانها بيتها؟. أحسب أن المطلوب -الآن- هو إعادة تشكيل أرضية الخطابات المقيدة التي تُفرض على دور وحقوق المرأة. ومن الضروري أن نسمح للنساء بقيادة السيارات ولكن هذا ينبغي أن يحصل من خلال عملية تدريجية لتفادي استغلال الأمر من البعض وتحويله إلى صدام خطابي. من الناحية القانونية والدينية يوجد مجموعة من علماء الدين البارزين الذين أقروا بأنه لا يوجد ما يمنع المرأة من القيادة. وقد صرح أكثر من مسئول في مراكز القرار السياسي في وقت سابق أن مسألة قيادة المرأة هي قضية اجتماعية. ولكن المطالبة بقيادة المرأة للسيارة على أهميتها الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية ليس بالأمر الذي ينبغي أن نتوقف عنده أو نختزل فيه قضايا المرأة. بل ما هو أكثر أهمية في الوقت الراهن هو إعادة هيكلة أسس الخطابات بين الجنسين التي تولّد التفرقة الجنسية وأنتجت ثقافة سطحية بسيطة بأن المرأة تولد لتصبح زوجة فأماً فربة منزل فقط.