"شفتو بنت فلان تشتغل مع الرجاجيل".. "لا تخلون حصة تجلس مع بناتكم تخرب أفكارهم".. كلمات قاسية كانت تتردد على مسامع "حصة علي" التي امتهنت التمريض منذ ثلاثة وثلاثين عاماً، وقالت: لقد عانيت كثيراً من نظرات الازدراء، وأصبح الكل يرفض وجودي في المناسبات الاجتماعية خوفاً على بناتهم، ولكن عندما يمرضون يبحثون عني، ولا يريدون ممرضاً يواسيهم، وهذا "قمة التناقض". وأضافت: عندما أرى مريضاً أو مريضة قد تماثلوا للشفاء بعد العناية الدقيقة التي أقدمها لهم بفضل الله كنت أشعر أنني على حق، مشيرة إلى أن الله وفقني إلى زوج نبيل يحترم مهنتي ويثق في، وقد دعمني كثيراً، والآن لدي ابنة خريجة طب أسنان، وثلاثة أبناء يدرسون الطب، وقد حرصت على أن تكون نظرتهم ايجابية لكل امرأة تعمل في القطاع الصحي. «قمة التناقض» أن ترفض دخول ابنتك أو اختك المجال الصحي وتشترط امرأة لعلاج محارمك! وأشارت "منيرة عبدالله" -ممرضة منذ خمسة وثلاثين عاماً- إلى أنها واجهت نقداً مجتمعياً وأسرياً في مهنتها، وقالت:"لقد تناسى هؤلاء تشجيع النبي عليه الصلاة والسلام لنساء المسلمين في الحروب؛ لتضميد الجرحى، حيث تعد رفيدة بنت كعب الأسلمية رضي الله عنها أول ممرضة في التاريخ وفي عهد الإسلام، حينما كانت تمرض المصابين والجرحى في الحروب التي يكون المسلمون طرفاً بها، وقد كان لرفيدة خيمة لمداواة الجرحى، ولما أصيب سعد بن معاذ بسهم في معركة الخندق قال النبي صلى الله عليه وسلم أجعلوه في خيمة رفيدة التي في المسجد حتى أعوده، وتقديراً من النبي صلى الله عليه وسلم لجهودها في غزوة خيبر في مداواة الجرحى وخدمة المسلمين فقد أسهم لها بسهم رجل مقاتل، وقد أطلق العرب اسم (الآسيات أو الأواسي) على النساء العربيات المسلمات اللائي عملن في تضميد الجراح، وجبر العظام، وإيقاف الدّمَاء النازفة". وأضافت أن عملي أثّر كثيراً على حياتي الخاصة؛ فكل رجل يأتي لخطبتي كان يشترط أن أتخلى عن عملي، ولكن كنت ارفض شرطهم، وحالياً أقيم مع أبناء شقيقتي الأربعة الذين توليت تربيتهم بعد وفاتها؛ فهم أبنائي الذين لم انجبهم. أما "ابتسام محمد" -طبيبة نساء وولادة منذ ثلاثين عاماً-، فتقول:"عندما أنهيت دراستي طلبت من والدي أن يأذن لي بدراسة الطب، ولكن إخوتي رفضوا وحاولوا ضربي لمجرد طرح الفكرة، ولكن والدي رحمه الله تصدى لهم ووقف بجانبي لتحقيق أمنيتي، وأصبحت ناجحة في عملي، وقد اقترنت بأحد الأطباء العاملين معي، ولدي من الأبناء ثلاثة. وترى "سارة حسن" -استشارية نساء وولادة منذ واحد وثلاثين عاماً- أنها مأساة حقيقية تواجه معظم الفتيات إلى اليوم، مشيرة إلى أن هناك الكثير من الزميلات اللاتي بقين دون زواج؛ بسبب نظرة المجتمع المتشددة، والبعض الآخر أصبحن مطلقات؛ بسبب شكوك أزواجهن، بينما فضلن البقية ترك العمل حفاظاً على استقرار أسرهن، موضحة أنها أصبحت مطلقة، بسبب المناوبات الليلية في المستشفى. من جانب آخر ذكرت "فاطمة خالد" - أخصائية اجتماعية لأكثر من أربعة وعشرين عاماً - أن دورها يقتصر على بحث حالات المرضى الاجتماعية، ومساعدتهم في القضاء على مشكلاتهم. وقالت:"مشكلتي تكمن في أن أخوتي يرفضون دراسة حالة أي مريض يتم تحويله إلي، ويطلبون مني استقبال النساء فقط، مع أن عمل الأخصائية يشمل الجنسين، ولكن مع مرور الوقت، وعندما أثبتت موظفة القطاع الصحي جدارتها وفرضت احترامها تغيرت النظرة للأفضل".