سارعت المرأة العربية منذ فجر الإسلام الأول إلى مشاركة الرجل في كثير من أعماله الجليلة حيث أعطى الإسلام للمرأة مساحة من الحرية المقبولة، ولم تكن هذه الأعمال التي تتولاها المرأة أعمالا هامشية بل كان كثير منها ذا شأن كبير. يروي الطبري في تاريخه أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل سعد بن معاذ رضي الله عنه في خيمة امرأة من أسلم - يقال لها رفيدة - في مسجده، كانت تداوي الجرحى، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لقوم سعد حين أصيب بسهم في معركة الخندق: (اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب). وجاء في منتقى الأخبار لمجد الدين عبدالسلام بن تيمية (في باب استصحاب النساء لمصلحة المرضى والجرحى والخدمة : أثناء الجهاد): عن الربيع بنت معوذ قالت: (كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة)، وقد روى هذا الحديث أحمد والبخاري، وعن أم عطية الأنصارية قالت: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رجالهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على الزمنى) رواه أحمد ومسلم، وعن أنس رضي الله عنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى) رواه مسلم والترمذي. ومن هنا يتبين لنا أن دور المرأة في عصر النبوة فيما يخص إسعاف المصابين من الرجال "تحديدا" كان دورا إيجابيا فاعلا، والآثار الواردة في هذا الباب لا يستطيع منكر حجبها أو تشويشها أو تأولها إلا إذا استثنينا حالة "الضرورة" التي كان يستدعيها الجهاد. قبل أسابيع تعرضت بعض النسوة لحادث جماعي بالقرب من مدينة عرعر، ورفضت المصابة بينهن أن يحملها رجال الإسعاف، وانتظرت مع شدة ألمها، إلى أن جاء ولي أمرها؛ فحملها إلى المستشفى، وهذه الحادثة التي تتكرر باستمرار كانت محرضا لاستفزاز أسئلة جادة شغلت المجتمع المحلي، ودفعتنا لإثارة قضية ضرورة وجود العنصر النسائي ضمن طاقم جمعية الهلال الأحمر السعودي؛ لأن هناك سؤالا حائرا ينتظر إجابة شافية تقنع المتلقي بوجاهة قرار خلو الجمعية من المسعفة مع أن وجودها ضرورة تطلبه الحالات الكثيرة التي فضلت فيها صاحبات المعاناة قسوة الألم على مساعدة غير المحرم، فلماذا غابت المرأة أو غيبت عن نشاط جمعية الهلال الأحمر السعودي. مواقف تتطلب المرأة المسعفة وجمعية الهلال الأحمر السعودي بقيادتها الحالية الواعية، وبإنسانية فريق عملها الجاد، لن يصعب عليها إيجاد مخرج مناسب يضع كل النقاط على حروفها، وينهي أزمة الحرج التي تقع فيها فرقها، وتعاني منها الفئات المستهدفة بالإسعاف، وبعد ذلك سيكون القرار الذي يحسم المسألة، مهما كانت ردة فعله، بديلا أنجع من الحلول الوقتية التي لن تصمد طويلا أمام عامل الزمن، وكذلك ينهي حالة التوتر التي تصحب بعض الحالات الإسعافية؛ لأن - الجمعية -الآن عندما تقع في أزمات المواقف الخانقة التي يصبح وجود العنصر النسائي فيها لزاما لا تترد في مخارج الحلول الوقتية فتستعين كثيرا بالمراكز الصحية حيث تستعير ممرضات من هذه المراكز، وكذلك في حال الولادة - مثلا - تدرك أنه لابد من وجود امرأة مرافقة في سيارة الإسعاف فتسعى الجمعية إلى أن تكون هذه المرافقة - في الأكثر - من أقارب المريضة، وكذلك ترافقها غالبا ممرضة من مركز صحي، وفي الحوادث التي تكون في الطرق البعيدة عن المدينة تعاني فرق الهلال الأحمر كثيرا من الحرج، وغالبا ما يقعون في إشكالية مواجهة هذه المواقف عندما تكون الإصابات متمركزة في امرأة أو أكثر، ولهذا يحرصون على عدم نقل هذه الحالة إلا مع وجود مرافق لها مع الفرقة الإسعافية درءا للمشكلات. المواطنون يؤيدون المواطنون كان لهم رأي يعكس نظرة المجتمع لهذه القضية المشكلة، حيث التقت "الرياض" بالمواطن مخلد الموط الذي ذكر أن انضمام المرأة المسعفة مطلب في غاية الأهمية؛ لأنه يصعب على النساء المصابات أن يباشرهن المسعفون من الرجال، فنحن في مجتمع لا يقبل اختلاط النساء بغير محارمهن، هذا وهن بكامل كسوتهن، وفي أحسن أوضاعهن، فكيف نقبل أو يقبلن أن يقترب منهن رجل أجنبي، وهن في حال صعب؟ وقد تكون المرأة التي تعرضت للحادث- لحظتها - في وضع أكثر حساسية، وأولى أن يبتعد الرجل الغريب عنها؟ ويضيف الموط: أقترح وجود المسعفة، ولكن ذلك مشروط بتعيين محرمها معها كما يفعل في تعليم البنات (حراس المدارس) حيث يوظفون الرجل وزوجته، وكذلك ما الذي يمنع أن يوظف السائق وزوجته أو أخته أو أيا كانت من محارمه بعد أن تدرب وتعد لتكون مسعفة؟وهذا يحتاج إلى وقت وتهيئة، ولكنه في رأيي من أفضل الحلول، وهو معمول به في أكثر من جهة. الحل محرم السائق ويؤكد الشيخ حمدان الضبيان أن العنصر النسائي مطلب ملح لرفع الحرج عن المرأة المصابة وذويها؛ نظرا لصعوبة تعامل الرجال مع أوضاع النسوة أثناء الحوادث، وهي أوضاع لا تتحكم المرأة فيها؛ فقد تكون مكشوفة الرأس وقد تكون مكشوفة الجسد، وغير ذلك. ويضيف: الحل يكمن في توظيف محارم السائق، ففي المخدرات وفي الجوازات وغيرهما من الإدارات يستعان بالمرأة المحرم أو القريبة في الغالب. أما فواز السويلمي فأشاد بتجربة حرس الحدود الرائدة في توظيف المفتشات وهن في الغالب محارم لموظفين في هذا القطاع. ويقول: حدثت قصة أمامي تأكدت بعدها أن المرأة المسعفة ضرورة لا مفر منها، فقد أصيبت إحدى نساء الحي بانهيار تام تبعه إغماء، ولم يتمكن رجال الهلال الأحمر من دخول المنزل لأن كل من فيه كن نساء، وغابت الخيارات لحظتها؛ فلم يروا بدا من الاستعانة بنساء جيران هذه المرأة لإخراجها وحملها إلى سيارة الإسعاف، وقد أدى غياب المسعفة وقتها إلى تأخر عملية إسعافها، وكاد أن يؤدي إلى نتائج سيئة العاقبة. إذا كانت ممرضة فلماذا لا تكون مسعفة؟ وأمام هذه المواقف التي تستدعي توظيف المرأة السعودية مسعفة في جمعية الهلال الأحمر اتصلت "الرياض" بالشيخ عبد المحسن العبيكان للاستضاءة برؤية الإسلام في الاستعانة بالمرأة المسعفة وانضمامها لجمعية الهلال الأحمر السعودي فقال: مادام أنه يوجد ممرضة فلم لا تكون هناك مسعفة، المسألة هنا تكمن في أنها تعمل عمل ممرضة، فكما أنها تعمل هنا تعمل إذا هناك، ولكن بشرط عدم الاختلاط أو وجود محظور شرعي، وأنا أرى أن إسعاف النساء لا ينبغي أن يكون إلا من النساء، وهذا أمر مشروع، أما إسعاف الرجل للمرأة أثناء الحوادث فهو مشروط بالحاجة، وفي حال الحاجة فقط يجوز للرجل إسعاف المرأة. رؤية المختصين الجدير بالذكر أن من أطرف ما واجهناه خلال استقراء رؤية المجتمع بكل أطيافه أن المشكلة لا تكمن في غياب المرأة المسعفة فحسب، بل في تغييب رؤية المتخصصين في الطب، وفي الإسعافات الأولية، أو على الأقل فإن الاحتجاج بالمواقف الملزمة لوجود المرأة من خلال بعض حالات الإسعاف ذات الخصوصية الأنثوية لم يكن مجهورا به كما ينبغي. قبلة الحياة وتقول الدكتورة أمل يحيى شمس الدين الأستاذة في كلية العلوم الصحية للبنات في عرعر إن الرجال يجدون حرجا كبيرا في إسعاف بعض الحالات النسائية التي تستدعى من المسعف التدخل السريع لإنقاذ المصاب، ففي بعض حالات الإسعاف قد يتوقف تنفس الإنسان إذا تعرض للغرق أو حاصره الدُخان أو غاب عن الوعي، وقد يكون التنفس الاصطناعي أو (قبلة الحياة) هي المُنقذ الوحيد لإعادة التنفُس مرة أخرى إليه، وإلا سيموت المصاب، وإذا تبين أن النبض أيضًا غير محسوس فالأمر يتطلب التنفس الاصطناعي عن طريق الفم مع تدليك القلب في نفس الوقت بمعدل 30مرة، تدليك كل 20ثانية، وتدليك القلب يتم بوضع اليد اليسرى إلى اليسار قليلاً من منتصف القفص الصدرى ثم راحة اليد اليمنى على اليسرى وشد الذراعين ليصبحا متعامدين على صدر المريض والضغط بقوة على الصدر. وأضافت: وكذلك في حالات الاختناق بدخول جسم غريب إلى الممرات الهوائية فإن لم يستطع المصاب إخراج ما يخنقه بالسعال، يقف المسعف وراءه ويجعله ينحني عند الوسط، ثم يضرب بكفه المفتوحة على أعلى الظهر بين لوحي الكتفين، ويكرر ذلك خمس مرات، فإن فشل في هذا، فأنه يحيط بذراعيه خصر المصاب ويشبك يديه تحت القفص الصدري مباشرة، ويضغط بشدة إلى الداخل والأعلى خمس مرات، ويتابع الضرب بين الكتفين والضغط على البطن بشكل متبادل حتى يزول الانسداد، مشيرة إلى أنه في الحالات السابقة كلها يجد المسعف حرجا في أداء عمله في حال كون المصاب امرأة، ويستحسن أن توجد المسعفة المدربة لأداء ذلك. وأشارت إلى أن هناك بعض الحالات تستدعي من المسعف التحدث مع المصاب ومحاولة طمأنته مدة نقله من مكان الحادث حتى دخوله المستشفى، وبطبيعة الحال يجد المسعف ذلك صعبا جدا إذا كان المصاب امرأة، كما أن هناك بعض المؤسسات والهيئات النسائية كمدارس وكليات البنات التي تحتاج إن حدث فيها حادث - لا قدر الله - أن يكون المسعف من النساء. رأي المسؤولين "الرياض" حاولت معرفة رؤية المسؤولين تجاه هذه القضية من خلال الأسئلة التي وجهتها للمسؤولين في جمعية الهلال الأحمر السعودي حول إمكانية مشاركة المرأة السعودية كمسعفة؛ فتحدث ل "الرياض" مدير عام إدارة الإعلام والتوعية في الجمعية الأستاذ أحمد باريان وقال: لا يخفى على الجميع ما تحظى به المرأة السعودية من اهتمام وتقدير من لدن قيادتنا الرشيدة، وبتوجيه مستمر من خادم الحرمين الشريفين، حيث تشكل المرأة أحد الروافد الرئيسية والهامة في عجلة البناء والتطوير لمملكتنا الغالية وخاصة في المجال الصحي، ونحن في هذه الجمعية يشرفنا مشاركة المرأة في أعمالنا حيث استطاعت الجمعية، وخلال فترة قصيرة تكوين نواة لمشاركة المرأة من خلال إنشاء إدارة مختصة بالعنصر النسائي تعنى بشؤون التدريب والتطوع، حيث بدأت أعمالها في العديد من مناطق المملكة. أما فيما يخص مشاركة المرأة ضمن الفرق الإسعافية في مباشرة الحالات الإسعافية كمسعفة فهذا لم يتم البدء به تمشيا مع عاداتنا وتقاليدنا وثوابتنا الاجتماعية إضافة إلى أن طبيعة عمل الفرق الإسعافية على مدار الساعة مما يصعب تحقيق ذلك. وأضاف: إن الجمعية تؤكد على أهمية تواجد المرأة كمسعفة في مواجهة الحالات الإسعافية الخاصة بالمرأة كحالات الولادة وغيرها، ولا ننسى في تاريخنا الإسلامي دور (رفيدة الأسلمية الأنصارية) التي تعد أول امرأة شاركت في تقديم الخدمات الإسعافية والإنسانية للمصابين في الحروب. وأشار إلى أن لدى الجمعية تعاونا ملموسا مع المستشفيات والمراكز الصحية التي تتطلب في أحايين كثيرة الاستعانة بالطبيبات والممرضات لهذه المراكز العلاجية لمرافقة الحالات الإسعافية وتقديم الخدمة الطبية لها لحين الوصول لمراكز العلاج. وتحدث باريان عن رؤية مستقبلية حيث يقول : نحن في الجمعية نتطلع لتفعيل دور المرأى وإعطائها الفرصة الكاملة، بإذن الله، للمشاركة الفاعلة في نشاطات الجمعية بما يتناسب مع الأهمية والتقدير اللذين تحظى بهما المرأة السعودية. السؤال الذي حرصنا على أن نجد إجابة شافية له يكمن في تأخر جمعية الهلال الأحمر السعودي في اتخاذ قرار حاسم بتعيين المسعفات السعوديات مع وجود حاجة ملحة لهن، ومع هذا يستعينون كثيرا بممرضات من المراكز الصحية لتسيير عجلة عملهم عند الحاجة، وهنا نتساءل عن سر هذا التناقض: أليست ممرضة المركز الصحي امرأة - أيضا - تحتاج إلى محرم؟ أم أن لها عصمة خاصة؟ وإذا كانت الجمعية متيقنة أنه لا غنى لها عن المسعفة السعودية، فلم لا تحسم هذه القضية ما دامت ضرورة قصوى لا بديل لها عنها؟ خاصة وأنها لا تقل أهمية عن ضرورة سكن المرأة في الفنادق بلا محرم؟ والطريف في الأمر أن المؤيدين لعمل المرأة المسعفة، والرافضين لعملها كلاهما يحتج بسطوة التقاليد!! فهل هناك تناقض في تقاليدنا؟ أم أنها دخلت هي الأخرى تحت مظلة التأول الموجه الذي لا يخضع لرؤية تستطيع جمع أطراف المسألة، وتسير في طريق أخف الضررين؟